عفوا، ليست الطيور.. بل الطبول على أشكالها تقع، نعم هناك طبول تملأ الأماكن بالضجيج والرن و"الدق والطق "، لكنها تقع على الأرض ـ وأدنى من ذلك ـ بكل إيقاعاتها، معلومة مني، أجود الطبول هي الفارغة المجوفة؛ لأن صخبها يعلو كثيرا، وصوتها يرتفع محلقا، هل سمعتم بطبل ممتلئ وله صوت؟، أبدا، كلما كان الفراغ، والتجويف زائدا زادت جودة التطبيل.
يا "طبل"، ينعت بها من لا يفهم أمرا ما، أو يوصف به صاحب البلاهة، وقد ترمى على ذاك التلميذ الذي لم يستوعب درسا، أو لا يعي فكرة، أو لا يجيب عن مسألة تعلمها، مع ان بعض الآباء يطبّلون للمدارس التي تكرم أبناءهم بدرجات لا يستحقونها على حساب العلم والمعرفة.
المسئول الناجح هو من يمنع كل الطبول، وأصناف التطبيل من حوله ويدرك أن من طبّل له اليوم قد كان مطبّلا لغيره، وأن التطبيل للكراسي والمصالحوقد يعرّف المطبِل بأنه ذلك الإنسان المستحق لحاجة ما، يسعى خلفها ليكسبها باستخدام مطبّلات، أو طبلات، فهو يطلب غالبا الرخيص بالغالي، والحقيقي بالخيال، والصدق بالكذب، وهو يطبّل ليرقص وينتشي ويهيم غيره.
بين الطبل "الآلة"، والمطبّل "الشخص" يكون الهدف، هو الترقيص، وهناك من يستجيب فشيمة البعض هي الرقص ولا غيره، وشيمة الغير هي التطبيل ولا غيره.
لايمكن ان يعيش المرء خصوصا "المسئول المنفوخ" بلا تطبيل، ولا يعيش المطبل خصوصا "ذا المنصب المفتون" بلا شخص يطبّل له ولا يعيش أحدهم يبحث عن منفعة، أوغاية بأي وسيلة لا يعيش بلا طبول وتطبيل لمن ينتظره، فالمصلحة لا تحقق إلا بوجود الطرفين.
تذكروا، تخيلوا، حين يسافر أحدهم لدولة ما، ويسقط في أحد بيوت الليل فهم يطبّلون بمواويل، وأغان له ويمدحونه، ويمدحون بلده، ليعطيهم قيمة ذلك التطبيل، فيستنهضون فيه "جيبه"، فيطبّلون لغيره ولغيره.
وفن التطبيل لا يقتصر على وجود الطبّل، وإيقاعات طبل، بل هناك أصناف أخرى فمن تقنيات التطبيل الحديثة وحتى القديمة يمكن ان يطبّل أحدنا بلسانه، وثرثرته، أو حتى قلمه، أو مايكروفونه، أو في عمله، أو خلف مكتبه، أو أمام رئيسه ومديره، أو بين مسئولين المصلحة، أو عند صاحب منفعته، والنظرية الأخرى المهمة مني، أنه كلما ارتفع منصب المطْبّل له، ارتفع نصب المطبِل له.
التطبيل هو طرف الفساد الأعظم، ووسائله هي طرف آخر، وليت هيئة مكافحة الفساد تخصص قسما لمخالفات التطبيل ومتعلقاته، ذلك التطبيل الذي اخرج الأمور عن واقعها وحقيقتها وصوّر لنا ما لا يمكن تصوّره، وجعل بعض المسئولين خاصة يفهمون الواقع مختلفا، ويعتقدون ان ما حولهم صادقا، ويظنون كل ذلك بسبب ضجيج الطبول، وتكرار التطبيل المخل، وبسبب صلف قلوبهم تجاه الواقع الحقيقي، وبسبب سد آذانهم عن الحقائق، والرقائق، والوثائق، والاستماع إلى المضائق في الزيف الطبلي، والاستمتاع بالوهم " التطبيلي".
ختام القول: العرب لديهم حب للظواهر الصوتية، نعشق التطبيل لكننا لا نحبذ ان نرقص على فساد الذمم، وخراب البيوت، ودمار القيم، وننتج الطواغيت، فحين يتلذذ مسئول ما بالطبلة والطبّال والتطبيل فهو مسئول لا يحترم مسئوليته، ولا يعطي قيمة لأمانته، ولا يبالي بوطنه، ولا يهتم إلا بنفسه، المسئول الناجح هو من يمنع كل الطبول، وأصناف التطبيل من حوله ويدرك أن من طبّل له اليوم قد كان مطبّلا لغيره، وان التطبيل للكراسي والمصالح، فمن يهتم حقا لا يهمه إلا أداء أمانته بلا صخب ولا إزعاج، يرجو ما عند الله لا ما عند الناس، فهل أنتم منتهون.