ازداد في السنوات الأخيرة تعليق الدراسة لسوء الأحوال الجوية من مطر أو غبار أو ضباب أو غيرها، أو المطالبة بتعليقها والجدل حول اتخاذ هذه القرارات من عدمه. وسوف أناقش هذه القرارات من منظور علم القرارات. وعلم القرارات هو مزيج من العلم والفن، حيث يعتمد على مجموعة من العلوم المختلفة مثل الاقتصاد السلوكي والعلوم الاجتماعية ونظرية اللعبة إضافة إلى الاستفادة من علم الأعصاب. ويقوم الباحثون في علم القرارات بدراسة وتحليل القرارات التي يتخذها الناس وأساليبهم في الوصول إليها، إضافة إلى التحيزات التي تؤثر عليهم؛ ثم يصفون وسائل أفضل للمساعدة على صناعة قرارات أفضل، بالذات أمام الاحتمالات والأوضاع «غير اليقينية».
ومن أشهر أطر دراسة القرارات هو «جودة القرارات» (Decision Quality) الذي طوره مركز جامعة ستانفورد للتطوير المهني (Stanford Center for Professional Development)، بالتعاون مع مجموعة القرارات الاستراتيجية (Strategic Decisions Group). ويحدد الإطار ستة عناصر لجودة القرارات، وسوف أقوم بمناقشة قرارات تعليق الدراسة من خلالها فيما يلي:
سلامة الطلاب بلا شك مقدمة على تأخير تعليمهم، فالقاعدة الفقهية تقول إن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح1-الإطار المناسب (Appropriate Frame):
بما أن «الحكم على الشيء فرع عن تصوره» كما يعبر الفقهاء، فهل المشكلة التي يراد علاجها أو تفاديها من خلال تعليق الدراسة هي وضع الشوارع والمواصلات عند سوء الأحوال الجوية، أم وضع مباني المدارس؟ فلا أرى أن تعليق الدراسة يعالج سوء المواصلات، والمواصلات في نهاية الأمر مشكلة عامة وليس حلها لدى إدارات التعليم. أما إذا كانت المباني هي المشكلة، ويخاف عليها من المطر أو غيره، فالحل يكون من إدارات التعليم بتغييرها أو إصلاحها، وليس بحل النعامة ودس الرأس في التراب. وفي هذا المقال أتحدث بالطبع عن الأحوال الجوية المعتادة من مطر أو غبار فقط، وليس عن العواصف والأوضاع الاستثنائية.
2- بدائل مبتكرة وقابلة للتطبيق (Creative, Doable Alternatives):
بالطبع يؤدي سوء الأحوال الجوية إلى التأخير الذي قد يصل إلى الساعات لبعض الطلاب. فأحد البدائل للتعليق الكامل ممكن أن يكون التسامح مع المتأخر وتقصير ساعات الدراسة. وإن كان القليل لا يتمكن من الحضور تماماً فمصلحة العموم أهم، ويمكن معالجة المشكلة لدى عدد محدود من الطلاب فقط، مع إنصافهم لأنهم لا ذنب لهم في التأخير أو الغياب.
3- معلومات مفيدة ويمكن الاعتماد عليها (Meaningful, Reliable Information):
تقويم صحة القرار يكون اعتماداً على المعلومات والاحتماليات المتوفرة حين اتخاذه، ولا يكون تقويمه بناءً على نتيجته، فمتخذ القرار لا يعلم الغيب. لكن يجب عليه الأخذ بالأسباب من استقصاء المعلومة الصحيحة قدر الإمكان ثم تحليلها، وفي هذه الحالة يكون الاعتماد على الأرصاد من الوكالات المختلفة منطقياً بل ضرورياً. فإذا علقت الدراسة تحسباً لعاصفة متوقعة بشكل كبير جداً لكنها لم تحدث، فإن قرار تعليق الدراسة هو القرار الصحيح.
4- قيم وتنازلات واضحة (Clear Values and Tradeoffs):
لا بد من أن تكون آثار قرارات تعليق الدراسة واضحة لدى صانعي القرار والأهالي على حد سواء. فتعليق الدراسة بلا شك يؤثر سلباً على العملية التعليمية، ولكن تأثيرها على سلامة الطلاب قد يكون أكثر إثارةً للجدل. والناحية الأخرى هي الأبعاد التربوية الطويلة المدى على الطلاب، وتعودهم على النظام والانضباط.
5- تبرير صحيح منطقياً (Logically Correct Reasoning):
إن قرار التعليق لا يعالج مشكلة المواصلات كما ذكرت سابقاً، بالذات عندما لا يعلن إلا في الصباح أو متأخراً في الليل، فبعض الطلاب يصلون إلى المدرسة ليفاجأوا هم وأهلهم بتعليق الدراسة. ثم إن الكثير من الطلاب يقومون بالتسكع في الشوارع وتزداد قيادة المراهقين عند تعليق الدراسة وعدم وجود أي خطة مسبقة للاستفادة من الوقت.
6- الالتزام بالعمل (Commitment to Action):
إذا كان قرار التعليق هو القرار الصحيح في حال توقع أحوال جوية سيئة، فعلى سبيل المثال هل تمت دراسة الاستفادة من أساليب التعليم عن بعد لمثل هذه الأيام؟ أو تحضير برامج معدة مسبقاً ليستفيد الطلاب من وقتهم في المنزل.
وختاماً، فإن سلامة الطلاب بلا شك مقدمة على تأخير تعليمهم، فالقاعدة الفقهية تقول إن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح. لكن هل قرار تعليق الدراسة هو القرار الصحيح الذي يعالج المشكلة دون أضرار أكبر؟ أترك الإجابة عن هذا التساؤل للقراء الكرام.