أرصفة الشوارع عالم آخر من العجائب، والغرائب. لكن لماذا الرصيف بالذات؟! قبل الإجابة، دعونا نأخذ جولة سياحية على أرصفة شوارع البلد. بالتأكيد، هي أرصفة معتبرة، في جميع الخرائط المعتمدة.
لا بد أن تكون جميلة ومنسقة، بخطوط مختلفة، لإظهار واجهتها الجمالية، أمام المتصفح لهذه الخرائط. ومن ثم، لا بد وأن تكون لها ميزانية، موظفون، مراقبون، متابعون، لجان، مفتشون، ومهندسون. ثم بعد ذلك يصبح لها شأن. أخيرا تُسلم للمواطن الذي يود أن يكون منتصب القامة يمشي عليها مرفوع الرأس. لكن هذا عند الأرصفة الأخرى، في البلاد الأخرى.
في البلد هناك ظاهرة الأرصفة المحتلة. هي أرصفة تطفو عليها الكثير من السلالم الأسمنتية مع كل فتحة دكان، ومحل تجاري. هناك سلم مكون من درجات مبنية، ومشيدة فوق الأرصفة. سلم يقود إلى عتبات هذه الدكاكين والمحلات التجارية. جميع الأبنية في البلد تبنى بأرضية مرتفعة عن مستوى الرصيف. بعلو قد يتجاوز المتر. كأن البلد معرضة لطوفان بحري. أو أنها معرضة لفيضانات أنهار وأمطار. يبدو أن هذا أصبح إحدى العادات الاجتماعية. عادات يتم غض الطرف عنها. ربما للتباهي أو أنها بهدف تنشيط الدورة الدموية لكل الزبائن والزائرين.
في الأسواق حدث ولا حرج. جميع بوابات الأبنية والمحلات تندلق منها درجات السلالم. متجهة نحو الرصيف الذي تفترشه بكل هدوء. هناك سلالم قبيحة، وأخرى جميلة. سلالم تظهر عليها مؤشرات البذخ وأخرى متقشفة. يفرضها نوع البضاعة المعروضة في المحل. الموقع أيضا يحدد جسم وملامح السلم. قد تجده بدرجاته المتعددة. هناك سلالم مرتفعة وأخرى منخفضة. تجد المواطن (طالع) (نازل) بين هذه السلالم. إذا كان هناك سباق الحواجز، فإن في البلد رياضة (مشي الحواجز). البعض لا يجيد هذه الرياضة. كنتيجة، يلجأ إلى الشارع هربا من هذا الوضع. لتبدأ حرب الشوارع بين قائد السيارة وهؤلاء المشاة.
ثم خرجت علينا ظاهرة محلات المشاغل النسائية. زادت الطين بلة. حيث نصبت أمام كل باب لها حاجزا على الرصيف. حاجز يمنع ويعترض كل العابرين على رصيف (الهم) هذا. ليس أمام العابر من مفر سوى الانحراف نحو الشارع. يتجاوزه إلى ضفة الرصيف الأخرى. (هيك، عيني عينك). (شو بدنا نسوي؟). تتساءل، فلا تجد أي مبرر لنصب مثل هذه الحواجز. هناك أبواب المشاغل المقفلة. لا يدخلها إلا النساء. لا يخرج منها غيرهن. هل الهدف من نصب هذه الحواجز على الرصيف عدم رؤية الأبواب الموصدة؟! هذا أمر آخر مثير للدهشة في شوارع البلد.
ثم انتقلت ظاهرة احتلال الأرصفة من الأسواق إلى الأبنية الحديثة. تجدها في جميع الأحياء الجديد منها والقديم. تجد أمام باب كل بيت (درجا)، قد تدلى بحرية نحو الرصيف ليغطيه بالكامل حتى يصل الشارع. تجد بعضها وقد احتل جزءا من الشارع. هكذا تجد الشارع عبارة عن (شوربة) اختلط فيه الماشي مع الراكب. ويعود السبب لهذه السلالم. تظل هذه الأرصفة المسكينة ممتدة تتفرج على (هيك) مناظر. أرصفة أنهكها الإحتلال ربنا (يخزي) العين.
هناك الأرصفة الترابية. هناك الأرصفة المكسرة. هناك الأرصفة المتعرجة. هناك الأرصفة المتموجة. هناك الأرصفة المحفورة. هناك أرصفة عائمة. هناك أرصفة معتدى عليها. هناك أرصفة مفروشة لكل أنواع البضائع والأجهزة. وهناك أرصفة طائرة ونادرة. هناك أرصفة لا يمكن استخدامها والمشي عليها. بعض الارصفة أصبح موقفا للسيارات. بعضها حوش للغنم. بعضها أصبحت ملحقا للبيت ببناء جدار واق على الرصيف وبعرضه، وبجانب جدار سور البيت. هذه جزء من الأرصفة الطائرة في البلد.
أرصفة شوارع البلد أصبحت أرصفة مغتصبة مثل فلسطين. وقد عجزت هيئة الأمم المتحدة عن حل قضيتها. اعتقد أن أرصفة شوارع البلد أكثر تعقيدا من قضية فلسطين. ويبقى السؤال، لماذا الرصيف بالذات؟! ولماذا البحث عنه؟! الجواب: نريد أن نمشي عليه. هذا إذا كان الرصيف من حق المشاة. لكن كم من الحقوق ضاعت على أرصفة شوارع البلد؟! قالها الأولون: الصبر طيب.