كلما تصاعدت الضغوط الدولية، بحق الكيان الصهيوني، من أجل التوصل إلى تسوية عادلة، تؤمن الاستحقاقات الدنيا من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، كما عمل الكيان الغاصب، إلى توجيه بوصلة الصراع، نحو وجهة أخرى، من خلال تصعيد العدوان على المناطق المحتلة، تارة بالتسريع بتهويد مدينة القدس الشريف، أو بالعدوان العسكري المباشر على الضفة الغربية، أو قطاع غزة.
كان ذلك هو ديدن العدو الإسرائيلي، منذ بدأ تنفيذ المشروع الصهيوني، وحيازة الأرض الفلسطينية، وتجريد سكانها الأصليين من ممتلكاتهم وأراضيهم، وأوطانهم، وتحويلهم إلى لاجئين بالمنافي والشتات. والمراهنة دائما هي على انحياز المجتمع الدولي، والدول الغربية، التي وقفت باستمرار، ضد تطلعات الشعب الفلسطيني المظلوم في التحرر والانعتاق، واستعادة حقوقه المهدورة.
العدوان الأخير، يأتي في ظل تحرك سياسي مكثف، وغير مسبوق، من قبل الإدارة الأمريكية، وضغط على الكيان العبري، والسلطة الفلسطينية، للتوصل إلى حل نهائي للمعضلة الفلسطينية، ينتهي بقيام دولة فلسطينية، منزوعة السلاح، على الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» في حرب يونيو عام 1967م، التي انتهت بالنكسة، وهزيمة الجيوش العربية التي شاركت في الحرب.
لقد حسب المراقبون والمتابعون لسير المفاوضات بين الأطراف المتصارعة، أن الطرفين، «الإسرائيلي» والفلسطيني، وبوساطة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، اقتربا من التوصل إلى حل نهائي، للصراع. لقد تمكن السيد كيري، من تضييق الفجوة بين السلطة الفلسطينية، وحكومة نتنياهو، من خلال مرونة الوفد الفلسطيني، واستمراره في تقديم التنازلات من أجل التوصل لحل يضمن اعتراف الكيان الصهيوني، بالدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. وتركزت نقط الخلاف حول ثلاث نقاط: حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وانسحاب قوات الاحتلال من كامل الأراضي التي احتلت في حرب يونيو 1967، والتي ستكون الجغرافيا التي تمثل الكيان الفلسطيني الجديد، وعودة الجزء الشرقي من المدينة المقدسة للسلطة الفلسطينية، واعتبارها عاصمة الدولة المرتقبة.
لكن الصهاينة، واصلوا الإصرار على رفض حق العودة، واعتبار القدس الشرقية، جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقلة المرتقبة. وطرحوا مطالب جديدة، تضاف إلى مطالبهم السابقة، منها موافقة السلطة الفلسطينية، على يهودية «إسرائيل»، وهي موافقة إن تمت فإنها تعني التمهيد القانوني لطرد العرب الفلسطينيين، الذين صمدوا طويلا، ورفضوا مغادرة أراضيهم وتمسكوا بثبات بوطنهم، رغم الحصار والاضطهاد العنصري، والتطهير العرقي.
مشروع طرد العرب الفلسطينيين من أرضهم أصبح واضحا ومعلنا، من قبل المتطرفين الصهاينة، وإذا ما وافق الفلسطينيون والمجتمع الدولي على يهودية الكيان الغاصب، فإن ذلك يعني موافقة على الاصطفاء العرقي لليهود، وطرد العرب من أرض فلسطين.
يتمسك الصهاينة، في سياق آخر، ببقاء المستوطنات اليهودية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والتي يتشكل معظمها فوق تلال، تطل من عل على مدن الضفة الغربية. ويطرحون استبدالها، بمنح الفلسطينيين مساحات مماثلة من أراضي النقب الصحراوية. ولم يعد هذا الطرح مثار رفض من قبل السلطة الفلسطينية.
الضغوط الأمريكية، نحو التوصل إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني- الصهيوني، يمكن أن تثمر، فلم يتبق من مسائل خلافية تتمسك بها السلطة، سوى يهودية الكيان الغاصب، وتقديم حلول عملية لقضية اللاجئين، ليس بالتمسك بحق العودة، ولكن بإيجاد حلول تكون مقبولة من اللاجئين في الشتات.
العدوان الأخير، على قطاع غزة، هو محاولة للعودة بالمفاوضات إلى نقطة البداية، نقطة الصفر.. وهي سياسة دأبت القيادات الصهيونية المتعاقبة، على ممارستها. سياسات المماطلة والتسويف، هي عقبة كأداء في طريق السلام، والعدوان الصهيوني ينبغي أن لا يمر دون عقاب، فالعقاب يحتاج إلى وقفة عربية قوية، والتضامن من قبل المجتمع الدولي ضد العدوان، هو الذي يتكفل بقطع الطريق على النهج المستمر للكيان الغاصب، نهج المماطلة والتسويف وإنكار الحقوق الفلسطينية.