لا احب ان اعود لموضوع كنت قد كتبت عنه سابقاً -لاسيما ان في جعبتي العديد من المواضيع التي ارغب في التطرق لها- لكن يشفع لي في ذلك «فرحتي» بتحقق ما طالبت به في مقالي الذي نشر قبل 3 شهور «إكرام الموتى». انني أقف احتراماً وتقديراً لكل من قام في الاسبوع الماضي بالحملة الخيرية التطوعية لتنظيف مقابر مدينة الخبر، وعلى رأسهم المهندس عصام بن عبداللطيف الملا والإخوة في مركز اكرام الموتى بمدينة الخبر؛ فلقد تم الاعداد والتحضير لهذه الحملة على اكمل وجه وشارك في هذه الحملة اكثر من 500 متطوع، يتقدمهم رئيس بلدية الخبر وهم يرتدون زياً موحداً يحمل عنوان هذه الحملة التطوعية التي تهدف الى تنظيف المقابر من الحشائش والمخلفات والاوساخ اكراماً لحرمة الموتى، وليتمكن اهالي الموتى من الوصول الى قبور موتاهم والدعاء لهم.
يجب أن تكون الأمانة هي المسؤولة لأن هذا التنظيف يجب أن يكون بصفة دورية وليست القضية هي تنظيف المقابر لمرة واحدة ولقد بلغني انه نظراً للطلب المتزايد من اهالي الخبر بالمشاركة في الحملة التطوعية لنظافة المقابر في محافظة الخبر، فلقد تم تمديد الحملة الخيرية التطوعية لمدة اسبوعين ليمكن استيعاب اكبر عدد من المتطوعين، وهذا شيء جميل ولفتة طيبة مباركة يشكر عليها رئيس بلدية محافظة الخبر والقائمين على مركز اكرام الموتى بالخبر.
وبالرغم من انني طالبت في مقالي السابق بتنظيف مقابر الدمام الكثيرة مقارنة بالخبر، الا ان الاستجابة لم تأتِ من اهالي الدمام بل جاءت من اهالي الخبر، وارجو ان ينتقل أثر الحملة التطوعية الخيرية الى مدينة الدمام لتنظيف مقابرها، ليس انتقاصاً في اهالي الدمام فالخير في الجميع، لكن قد ينقص اهالي الدمام القيادة والمبادرة والمتابعة. وإحقاقاً للحق فلقد تلقيت فور نشر مقالي السابق مكالمة هاتفية من رجل الاعمال الصديق هشام بن عبدالرحمن الزامل وكان في كوريا قائلا: انني على استعداد تام لتنظيف مقابر الدمام فور عودتي من كوريا إلا اني اعتذرت منه، اولاً: لأني لست صاحب القرار لأقبل مبادرته الخيرية او لا اقبلها، فالأمر من اختصاص امانة الدمام، وثانياً: يجب ان تكون الامانة هي المسؤولة لان هذا التنظيف يجب ان يكون بصفة دورية وليست القضية هي تنظيف المقابر لمرة واحدة، ولقد قمت بالاتصال على مكتب معالي امين المنطقة الشرقية لأبلغه بمبادرة الاخ هشام وتركت رقم هاتفي لدى مدير مكتبه وأعترف بتقصيري لعدم متابعتي للموضوع.
وأحمد الله عز وجل ان قام اهالي الخبر بهذا العمل الخيري، وهم الذين سبقوا اهالي مدينة الدمام بإقامة مركز اكرام الموتى بالخبر، والذي يعتبر نموذجاً متميزاً للعمل الخيري المثالي نتمنى من اهل الخير والبلديات تعميمه في جميع ارجاء مملكتنا الغالية.
قبل ان اتكلم عن ما اراه عن الاعمال الخيرية دعوني احدثكم عن صديق لي من اهالي مدينة الخبر وهو من رواد العمل الخيري -اعرف انه لايريدني ان اذكر اسمه- وبالرغم من مسؤولياته العملية الا ان لديه حياته وكل همه هو العمل الخيري المستدام، يقول لي في احدى رسائله الجميلة «الحلم ليس الذي تراه في المنام، الحلم هو الذي يجعلك لا تنام، يقوم بسلب جميع الحواس حتى يتحقق»، طبعا لا يقصد حلماً يحقق مصلحة دنيوية بحتة، بل حلماً بمشروع يعود بالخير على بني البشر.
نعم كان حب الخير للآخرين هو من طبائعنا قبل ان تصل الينا المدنية بمساوئها، وقبل ان نتقوقع على انفسنا وعلى عائلتنا الصغيرة فيجوع جارنا ولا نعلم عنه شيئاً، يقول صاحبي: «كان اهلنا في القرية ولسنين قريبة يتواصون بمن اضطر للسفر فيفتحون محله كي لا يبقى مغلقاً ويوردون بضاعته ويسددون ديونه ويمسكون دفاتره»، وكأن صاحبي يعلم بتقصيري فيرسل لي ناصحاً: ساعتنا في عد تنازلي فهل أعددنا مشروعنا الحضاري (اجتماعيا او خيريا)؟ لاتزال ثمة برهة لمن اراد التشمير، لا تقلل من أهمية أي عمل خيري وان صغر! ويكمل قائلا: عندما نعيش لنُسعد آخرين، يرزقنا الله بآخرين ليسعدونا؛ فابحث عن العطاء لا الأخذ! فكلما أعطيت أخذت دون أن تطلب. نعم صدقت يا صاحبي، وما اجمل ما كتبت فنحن والله بحاجة ماسة الى اقامة المشاريع الخيرية المستدامة حتى لو كانت صغيرة، بل الحاجة اكثر بأن تكون هناك جهة يلجأ اليها اهل الخير او من أراد ان يوقف مالاً وندله على مشروع خيري مستدام وعلى قدر المال الذي لديه، ونرشده عن كيفية ادارته ونجد له من يساعده او يشرف ويدير له هذا العمل الخيري المستدام.
ذلك التاجر يقول: هل تصدق انني لم أجد الراحة ولم استلذ بطعم الحياة، بل يمكن ان تقول انني لم اشعر بوجودي في المجتمع الا بعد ان دخلت عالم العمل الخيري؛ لذلك ينبغي ان لا نقلل من قيمة العمل الخيري فهو علاج للنفوس المتعبة وعلاج للنفوس القلقة وراحة لا تعادلها راحة خصوصاً عندما تمسح دمعة المحتاج وتوفر حاجات المساكين وتضع يدك على رأس اليتيم.
مجتمعنا فيه الخير الكثير ورجال الاعمال في منطقتنا معروفون بالكرم، ولا يتأخرون عن الاحسان، واصبح اهل الحاجات والجمعيات الخيرية يقصدونهم من كافة مناطق المملكة، لكن ليس هذا ما نريده فتوزيع المال على الفقراء سهل والدولة والكثير منا يقوم بذلك، بل ان ما نريد هو اقامة مشاريع خيرية متميزة يحتاجها المجتمع على غرار مركز اكرام الموتى في محافظة الخبر، نريد افكاراً لمشاريع خيرية خلاقة نقدمها لكل من يرغب إقامة عمل خيري وان نشجع ان يشترك عدة متبرعين في عمل خيري واحد وان نسد الحاجة في بلادنا قبل ان نتجه الى اخواننا المسلمين في الخارج.
باعتقادي انه آن الأوان لأن ننشئ مركز «الدال على الخير» يقوم على ادارته المتمرسين واصحاب الخبرة في العمل الخيري ليقدم المشاريع الخيرية المستدامة، ويستقبل اهل الخير من المواطنين ويجيب على استفساراتهم ويستقبل المتطوعين –خصوصاً المتقاعدين– الذين يُمكن ان يُسخروا خبراتهم العلمية والعملية للعمل الخيري.