DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الشعر بين الفلسفة والأيديولوجيا

الشعر بين الفلسفة والأيديولوجيا

الشعر بين الفلسفة والأيديولوجيا
الشعر بين الفلسفة والأيديولوجيا
أخبار متعلقة
 
كانت العلاقة بين الشعر والفلسفة حميمية منذ ما قبل التاريخ وبداية ووجود الحضارات، ومنذ محاولة الإنسان تأويل ما حوله وتفسير وجوده، والشعر في ماهيته هو تأويلٌ للطبيعة والوجود، ومحاولة محاكاتها، جاء هوميريوس بالإلياذة والأوديسة، وجاءت معه حكايا الإنسان وموقفه من الحياة وتصوره لها، وجاءت الحضارة البابلية وملحمة جلجامش، وحكاية البحث عن لغز الخلود، هذا إن دل على شيء فيدل على أن الإنسان الأول بعدما تجاوز رغباته الأساسية وغريزة البقاء، احتاج أن يتحاور مع الأشياء من حوله، وأخذ يجعل في كل شيء يراه في الطبيعة روحا.  إذا اتفقنا على أن الشعر هو ذلك الانزياح اللغوي، الذي يخلق عالماً افتراضيا موازيا للعالم الواقعي الذي يألفه الشاعر في تعامله مع الوجود، يحاول أن يترجم ما حوله ويؤول وجوده بطريقته الخاصة، منتجا حقائق شعرية جمالية لا يمكن أن تكون حقائق علمية أو فلسفية.  الشاعر مثل المثقف، ولكن طبيعي أن يتفاعل مع قضايا مجتمعه، لكن جوهر الشعر هو العبثية، وإذا كانت للشعر رسالة فالجمال أبلغ رسالاته.  ليس لدى الشعر أهداف معينة أو غرض أخلاقي  بحت، وهذا سر اعجازه، الشعر هو بيت التآويل وتعدد القراءات.  الشاعر مرآة للحياة التي يقطن في أيقونتها بما تحمل من تفاصيل جميلة ومملة، وعلى حسب معاناته الشخصية وقدرته على تحويلها من نطاق الهم الإنساني الضيق إلى الهم الكوني الأعم، وقدرته على استدراج التفاصيل، للشاعر الحق في أن يعيش همومه الذاتية، وله الحق في أن يعيش هموم المظلومين، وهذا يرجع إلى قدرته على تحويل هذا الهم إلى الأعم، والكوني في خصوصيته يتلاقى مع جميع الأيقونات والكائنات.  التأمل الشعري أقل من التأمل الفلسفي وأكثر اتساعا في خيالاته وتصوراته للحياة، يعوض الشعر ما يعجز عنه التأمل الفلسفي، ويعالجه جماليا ، علق على ذلك الشاعر خزل الماجدي في كتابه القيّم «العقل الشعري» قائلاً : هناك نمطان من الكتابة الشعرية، الأول قصيدة تستكشف العقل والثاني عقل يستكشف القصيدة، والأول هو الذي ينتمي إلى الشعر والثاني ينتمي للعقل فقط.  المفكر العروي في تفكيكه لمصطلح إيديلوجيا يرى أن هذا المصطلح جديدٌ على جميع اللغات، وفي بدايتها كانت تعني فرنسياً علم الأفكار، ثم انتقل إلى الألمانية ليتحول إلى معنى آخر، ويعود هذا المصطلح مرّة أخرى إلى اللغة الفرنسية، وأصبح دخيلاً أصلاً حتى في لغتها الأصلية، معيداً إلى الاعتبار أن هذا المصطلح قد استخدم الكتاب العرب أحد معانيه متمثلاً في منظومة فكرية،  فيدخلها إلى السياق العربي جاعلاً كلمة أدلوجة على وزن أفعولة، فيقول أدلوجة أداليج وأدلج إدلاجاً ودلَّج تدليجا وأدلوجي.  مصطلح القضية إذا جازت التسمية ارتبط بمرحلة معينة من الشعر العربي، نكسة فلسطين وحزيران في السبعينات الميلادية، وعلى ضوء ذلك مصطلح القضية يتبنى ايديلوجية معينة في فترة معينة.  كنت أقول: إن هناك محرضات وجودية تحفز على الكتابة، تختلف من شاعر لآخر، الذات، الهوية، الطفولة. وعلى الشاعر أن يكتشفها بذاته؛ لأنها مفاتيح لتجربته في الحياة مع الشعر، كل شاعر لديه ثيمة مميزة في الكتابة، وعليه باكتشافها وتوظيفها جماليا.  حينما يصل الشاعر إلى الذروة الإبداعية في الكتابة، تتلاشى معه جميع المفاهيم المسبقة، ويعيش تجربة مختلفة ولا يشغله هاجسٌ آخر غير الكتابة والاكتشاف، هناك فرق بين نص يعيش سجين الماضي، وبين نص يجترح الحاضر والمستقبل، بين أن تكون قارئا منتجا، ولاتوجد أفكار تولد من العدم، إنما تتغذى على كل شيء.  يبقى الكاتب والشاعر في جنيالوجيا المعرفة وريثا لكل الأفكار في تراكماتها التاريخية بامتياز.  الشعر كائن استكشافي يعتمد على الدهشة  والصدمة، أما الإيديلوجيا من المفاهيم التي دخلت في الشعر، كما كان الشعر في الماضي ولم تكن قيمته الجمالية الا بقيمة القضية التي يدافع عنها، وبدأ يتطور مع أبي نواس وبشار وأبي تمام والمتنبي عن شعر القضية في بداية الإسلام.  أخيرا الشعر وعاء يحمل الجمال والفلسفات، وليس كائنا قائما بذاته وبشكل مستقل عن العالم من حوله، هو يحتاج إلى ثقافة،  ويحتاج لكل شيء من حوله.