سؤال سيظل طريح ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، سيظل طريح الأوراق لأنه ليس ذات أهمية بالنسبة لنا، فإننا نعتقد أننا أعظم وأذكى وأكبر ما خلق الله، وبما أننا كاملو المواصفات، فإننا أكبر من أن نضيع وقتنا في صناعة إبرة أو طائرة نفاثة أو علاج لمرض الإيدز، بل إننا أكبر من تضييع وقتنا في معرفة كيف تتحرك المادة التي تحرك العالم بأسره، وتحركنا وراءها ونحن صامتون ساكتون جامدون.
كنت أقرأ تنبؤات بعض العلماء الكبار للخمسين السنة القادمة، فوجدت أن عالما فيزيائيا مثل "لي سمولين" لا يؤرقه من كان أولى بخلافة السيد المسيح بعد رفعه، هل هو برنابا أم بطرس أم فيلبس أم توما؟ بل يؤرقه سؤال آخر تماما، وهو إذا كانت كتلتا البروتون والنيترون سيان، فلماذا النيترون أثقل بدرجة طفيفة من البروتون؟ وعالم فلكي مثل "مارتن ريز" لا يتحدث في الدين، بل يتحدث عن تجربة مختبرية لإنتاج كون مصغر عن طريق مماثلة الانفجار الكبير الذي انبثق منه كوننا.إننا أكبر من تضييع وقتنا في معرفة كيف تتحرك المادةالآن عرفت أين نحن؟ نحن حلولية صوفية اتحدت مع الماضي إلى درجة جعله أس جميع العلوم من بعده، مع أن البشرية التي جاءت بعد ماضينا قدمت للعالم الإنساني محارات العقول ومحالاتها على طبق من ذهب، في حين لم نزل نحن نعيش في ماضي تليد عظيم لم نكن نحن يوما بقدر عظمته وأبهته.
إذا استعرضنا إنجازات بعض علماء البشرية وعظمائها فسنرى أنهم توصلوا إلى أشياء عظيمة، تفوق في آثارها وبهائها وجلالها ما توصل إليه عظماؤنا - الذين أخذوا دورهم الذي يليق بهم في كتب عظماء الإنسانية - لكن ذلك لم يحمل أحداً من هؤلاء المكتشفين إلى ادعاء الإعجاز أو الكرامة أو خرق العادات.
فعندما يكشتف "ألكسندر فلمنج" أن البنسلين يقضي على البكتيريا، ويتمكن "فريدريك غرانت بانتغ" من استخلاص الأنسولين من خلاصة البنكرياس، وتكتشف "ماري وورتلي مونتاغو" التلقيحات، ويكتشف "همفري دايفي" أول دواء مخدر لاستخدامه أثناء العمليات الجراحية، ويكتشف "فلهيلم رينتغن" الأشعة السينية، ويكتشف "كارل لاندشتاير" أنواع الدم، ويكتشف "وليام بايليس" الهرمونات، ويكتشف "كريستيان أيكمان" الفيتامينات، ويكتشف "جيمس واتسون" الجينوم البشري، عرفنا أين نحن؟.
وعندما يكتشف "إسحاق نيوتن" قانون الجاذبية والميكانيكا، ويكشتف "جاليليو" قانون السقوط الحر، ويكشتف "أنطوان لافوزيه" أن كتلة المادة ثابتة بغض النظر عن التغييرات الكيميائية والفيزيائية الطارئة، ويكتشف "هيرمان فون هيلمهولتز" أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، ويضع "ديمتري مندلييف" الجدول الدوري للعناصر الكيميائية، ويضع "إينشتاين" قوانين النسبية والطاقة، ويضع "هايزنبرغ" مبدأ اللايقين في حركة الإلكترونات، عرفنا أين نحن؟.
وعندما يكشتف "أرخميدس" قوانين العتلات والطفو، ويكتشف "ايفانجيليستا توريتشللي" أن للهواء ضغطاً له تأثير علينا، ويكتشف"جون دالتون" أن الذرة هي الجسيم الأصغر في الوجود لأي عنصر كيميائي، ويكتشف "جيمس جول" السعرات الحرارية، عرفنا أين نحن؟
وعندما يكشتف "كوبرنيكوس" أن الشمس مركز الكون، ويضع "جيوفاني كاسيني" أول حساب دقيق للمسافة بين الأرض والشمس وهو لا يزال في عام 1672 ميلادي، ويكتشف "كبلر" أن الكواكب تدور حولها في مسارات إهليجية (دوائر متطاولة) وليس مدارات دائرية، ويكتشف "جيمس هتون" أن سطح الأرض يتشكل بفعل قوى جبارة تعمل ببطء واستمرار على تعريته، ويكتشف "إيدوين هابل" أن الكون يتمدد، ويضع "جورج غاموف" نظرية الانفجار الكبير في بداية الكون، ويكتشف "فيرا روبن" المادة المعتمة في الكون، ويثبت "ليون فوكو" دوران الأرض عن طريق البندول، عرفنا أين نحن؟
وعندما يكتشف "روبرت هوك" وجود الخلايا الحية، ويكتشف "نيكولاس ستينو" أن المتحجرات عبارة عن بقايا كائنات حية في الماضي، ويكتشف "أنتون فان ليفنهوك" البكتيريا، ويكتشف "ديمتري ايفانوفسكي" الفيروسات، ويكتشف "كارل بيندا" بيوت الطاقة في الخلية الحية (الميتوكوندريا) ويكتشف "جوزيف بريستلي" الأوكسجين، عرفنا أين نحن؟
إن البشرية في ظل هذا التقدم التقني والمعرفي الهائل تنتظر في كل يوم إنجازاً جديداً خارقاً لمألوفها. وسنظل نحن كما نحن، نفسر أحلامنا والكفار يحققونها، فنحن علاءات الدين وهم العفاريت الزرقاء المسخرة لنا.