أحيت خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، غير المعلنة، مخاوف الأردنيين من تحوّل بلادهم إلى "وطن بديل" للفلسطينيين، فيما حفّز صمت الحكومة مجلس النواب للمطالبة بكشف مضمون التسوية المرتقبة، ووصفتها احزاب أردنية بأنها "محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن".
ولأول مرة في الأردن، تجمع القوى السياسية والوطنية، الموالية والمعارضة، على رفض "خطة"؛ لتسوية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم يعلن عن مضمونها بعد، بيد أنها "تثير مخاوف عارمة حول مستقبل الأردن".
وفي بيانات متعاقبة، رفضت الأحزاب الأردنية جهود الوزير الأمريكي، باعتبارها "محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن"، أكبر مستضيف للاجئين الفلسطينيين من بين دول المنطقة.
بيانات الأحزاب الأردنية، "جبهة العمل الإسلامي" و"تجمع القوى اليسارية والقومية" و"الأحزاب الوسطية"، كلها ركزت على "رفض أي تسوية من شأنها تجاوز حقوق اللاجئين الفلسطينيين، في العودة والتعويض"، وكذلك "رفض أن يكون الأردن حلًا للقضية الفلسطينية، سواء باعتباره وطنًا بديلًا، أو بأي صيغة وحدوية مع الدولة الفلسطينية المرتقبة".
وقال أمين عام الجبهة الأردنية الموحدة (حزب وسطي) أمجد المجالي، لـ"اليوم"، إن "مخاوف عدة تعتري القوى الوطنية، لعل أهمها محاولات التلاعب بالمكّون الاجتماعي الأردني عبر تذويب الهويات الفرعية فيه، ما من شأنه تغيير الوطن ديمغرافيًا".قال رئيس اللجنة القانونية بمجلس النواب الاردني د.مصطفى ياغي، لـ«اليوم» إن "الصمت الرسمي حيال جولات الوزير الأمريكي يثير علامات استفهام عدة، خاصة لدى أعضاء مجلس النواب، السلطة التشريعية في البلاد"ورفض المجالي تحويل الأردن إلى "حقل تجارب للسياسيين"، وكذلك "تضليل المواطن الأردني لتمرير المؤامرات الصهيونية ـ الأمريكية".
وعلى خط مواز للقوى الحزبية، تحركت قوى عشائرية واجتماعية لرفض "خطة كيري"، التي ستحول الأردنيين، وفق قولهم، إلى "أقلية في بلادهم"، وهو ما يعني "المساس بجوهر معادلة الحكم في الأردن".
وأكثر ما يثير الأردنيين إدراكهم ميزان القوة في أية مفاوضات بين الفلسطينيين والأردنيين، وهو ما عبّر عنه القيادي عزام الاحمد، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بقوله: "المفاوضات ستتضمن تنازلات جوهرية وعميقة".
القيادي الفلسطيني كشف، خلال لقاء حضرته "اليوم"، أن "أي دولة فلسطينية، ستنشأ عن المفاوضات، لن يزيد عمرها على سويعات، إذ ستعلن مباشرة وحدة كنفدرالية أو فيدرالية مع الأردن"، وهو ما يرفضه الأردنيون بمختلف أصولهم.
الجدل الأردني الذي ظل في سياقات حزبية وأهلية الأيام الماضية، امتد إلى البرلمان الأردني، الذي لا يزال مغيبًا تمامًا عما يجري في المنطقة.
الأروقة الرسمية المغلقة شهدت عدة لقاءات، جمعت العاهل الأردني عبدالله الثاني مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كل على حدة، وهي لقاءات لم يخرج منها إلى العلن إلا الجزء اليسير، الأمر الذي أثار مجلس النواب الأردني.
وقال رئيس اللجنة القانونية بمجلس النواب د. مصطفى ياغي، لـ"اليوم": إن "الصمت الرسمي حيال جولات الوزير الأمريكي يثير علامات استفهام عدة، خاصة لدى أعضاء مجلس النواب، السلطة التشريعية في البلاد".
وبيّن ياغي أن "مذكرة نيابية رسمية، رفعت إلى الحكومة، تطالب رئيس الوزراء د. عبد الله النسور بكشف مضمون جولات كيري، وأية معلومات حول خطته".
وأعرب ياغي عن "مخاوف نيابية من تصفية القضية الفلسطينية، دون استعادة الحق الفلسطيني، فضلًا عن الخشية على مستقبل الأردن، الذي يقترب ليكون وطنًا بديلًا للفلسطينيين".
الأردن لم يسلم بعد من ارتدادات "الربيع العربي"، فرغم تراجع حدة الاحتجاجات، إلا أنها عادت لتطل من جديد، وهو ما يؤرق صانع القرار، وفق مصدر رفيع المستوى.
ويقول المصدر لـ"اليوم"، إن "الجهاز الحكومي رصد تحركًا لإعادة إحياء الاحتجاجات استنادًا إلى المخاوف من خطة كيري".
وبيّن المصدر، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أن "قوى سياسية واجتماعية، وقوى حراكية، عقدت اجتماعات عدة، لتشكيل جبهة وطنية للتصدي لمشروع كيري، ما يعيد الأردن ـ حال توصل هذه الجهود إلى توافق ـ إلى مرحلة الاحتجاجات الواسعة، التي تزامنت مع الربيع العربي".
وأشار المصدر إلى أن "العودة إلى فترة الاحتجاجات ستضع الأردن على حافة خطرة، من شأنها إعادة البلاد إلى الوراء، خاصة أن القضية الفلسطينية تعني الأردن بشكل مباشر، وأية حلول لا تضمن مصالح الأردن الإستراتيجية ستجد معارضة شرسة وشديدة من القوى الحزبية والعشائرية، فضلًا عن معارضة المكون الفلسطيني في الأردن".
وتداعت العديد من القوى الأردنية، للبحث عن آليات تحمي الأردن، انحاز اغلبها إلى المطالبة بعقد مؤتمر وطني، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، لمواجهة خطة كيري، التي لم تعلن تفاصيلها بعد.
وشهد الأردن مسيرات عدة، الجمعة، رفضت خطة كيري، وتورط الحكومة في أي تسوية من شأنها تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وكذلك رفضت أي تسوية لا تستند إلى الشرعية الدولية.