هناك مسافة شاسعة ما بين مشجع مباريات كرة القدم باعتباره جزءاً لا يتجزأ عن اللعبة، وبين المتفرج الذي يتسمّر قبالة الشاشة ليشاهد المباراة عن بُعد. وعندما قيل إنه -أي المشجع- هو اللاعب رقم اثني عشر لم يكن هنالك مبالغة في هذا التوصيف. فهو الذي يشعل الأرض تحت أقدام اللاعبين، ويضبط إيقاع المباراة. وقد يعدّل بهتافاته وصيحاته نتيجتها لصالح فريقه.
يحدث هذا على أرضية الاستاد الرياضي، في المضمار الأخضر، حيث يعبر اللاعبون بأجسادهم عن مهاراتهم الفنية ومرونة عضلاتهم. فيما يهجر المشجعون بيوتهم وعائلاتهم باتجاه الملعب. وهناك يتفننون في ابتداع الهتافات وترديدها بحماس وابتهاج. بمعنى أن عبقرية المدرجات لا تقل أهمية عن مواهب اللاعبين. فاللعب بدون وجود المشجعين كالرقص بدون موسيقى. منذ الجولات الأولى للمسابقة برز هذا الشعار من وسط المدرجات وانتشر بسرعة فائقة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعيأما خارج الملعب فللمشجع مهمة أكبر تتمثل في تبني صوت النادي والإبقاء على حُمى المنافسة، من خلال ابتكار الشعارات وإبراز كفاءة نجوم فريقه ورد كل ما يقال ضد ناديه. إلى درجة تفنيد آراء الحكام ومحاججة الإعلاميين. وذلك عبر صوت جماعي يمثل الإحساس الآني بالفريق والرؤية الاستراتيجية لها. وسكب كل ذلك في هتافات ولافتات مدروسة.
على هذا الأساس يمكن التعامل مع عبارة (متصدر لا تكلمني) التي نحتها الجمهور النصراوي، وفرضها عنواناً مركزياً لدوري الأندية الممتازة لهذا العام، حتى صارت الماركة المعتمدة للمنافسة. وهو جمهور وفيٌ لا يمكن لأحد أن يشكك في إخلاصه لناديه وعبقريته في مقارعة الأنداد. فمنذ الجولات الأولى للمسابقة برز هذا الشعار من وسط المدرجات وانتشر بسرعة فائقة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وكأنه هو عنوان التجابه المتفق عليه بين الفرق.
لقد جاء جمهور النصر بهذا الشعار المستفز من بعيد. أي من وراء هزائمه وخيباته لسنوات متتالية. وهو يعلم بأنه شعار خطير وحساس، فالقمة لا تتسع إلا لفائز واحد. وهو ما يعني أن الجمهور قد قبل التحدي ودفع ناديه بقوة في هذا الاتجاه. وأن مظلوميته التي يردّدها كل عام عن ظلم الحكام لفريقهم لا محل لها في هذا الموسم. بمعنى أنه قد أحرق كل مراكبه ولا مطلب لجماهيره إلا الفوز.
ومما يزيد الأمر صعوبة، ويُكسب الشعار المزيد من اللمعان، أن الفريق الذي يطارد النصر المتصدر هو الهلال. والهلال ليس مجرد وصيف، بل هو صاحب بطولات وصولات وجولات. وهو فريق على درجة من العناد والإصرار على احتكار البطولات. ناهيك عن الصراع التاريخي بين الفريقين. بالإضافة إلى أن الفارق ليس كبيراً للدرجة التي تسمح لجمهور النصر بالاسترخاء والاطمئنان.
لا أحد يتحدث عن مباريات الدوري الممتاز لهذا العام إلا من منطلق الأمل بأن يتسبب فريق ما في تعثُّر النصر أو تأخير فرصة الهلال في اللحاق به. وكأن الدوري هو حلبة سباق لفريقين فقط. أي أن الجمهور يعيش حُمى ديربي ممتد طوال الموسم ولا هوادة فيه. وكل ذلك يجري على إيقاع هتافات وتعليقات (متصدر لا تكلمي). الذي صار من القوة والسطوة الجماهيرية في الوجدان الشعبي بحيث بات يُشبّه بشعار البرسا المعروف (أكثر من مجرد نادٍ).
هذا الشعار الصريح في ألفاظه ومعانيه ومقاصده، الذي تم تحويره من قولات وخزين الذاكرة الشعبية، ليس مجرد صيحة ثأرية نصراوية وقتية. بل هو عنوان لرحلة صعبة، يعي جمهور النصر أن ارتباك فريقه فيها سيجعله محل سخرية جماهير الفرق الأخرى. وبالتالي فهو لم يدشن حملة تشجيعه على إيقاع هذا الشعار إلا لأنه استشعر شيئاً من القوة في فريقه. وأنه سيظل في المقدمة حتى الميل الأخير في السباق ليؤكد أحقيته، فيما يتربص به الهلال ليحرمه من الصدارة واعتلاء المنصة وإبقائه في خانة الخاسرين. وربما تكون مباراتهما في الجولة الثانية هي التي ستحدد من يقول للآخر (متصدر لا تكلمني).