DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

المليارات وكفاءة العمل.. أين تكمن المشكلة؟

المليارات وكفاءة العمل.. أين تكمن المشكلة؟

المليارات وكفاءة العمل.. أين تكمن المشكلة؟
المليارات وكفاءة العمل.. أين تكمن المشكلة؟
أخبار متعلقة
 
استبشرنا جميعاً قبل أسابيع قليلة «بميزانية الخير» للمملكة، والتي صدرت بأرقام قياسية من ناحية الإيرادات وتوازن عام بين الوارد والمصروف. ولا يكاد أحد يتحدث عن الميزانية وأرقامها الضخمة –ولله الحمد– إلا ويتساءل عن كفاءة صرف تلك المليارات فيما خصصت له. ويتخيل أحدهم طبقات البيروقراطية اللامتناهية والعروض والمناقصات والمزايدات والشروط والأحكام واللجان والتوصيات التي تحيط بصرف تلك المليارات في كل جهة أو مؤسسة حكومية كالسِوار على المعصم. ولا أقلل من أهمية هذه الأنظمة بأي حال من الأحوال، ولكن يختلف الكثيرون على مدى فعاليتها على وجه العموم. ويذهب البعض إلى أن هذه الأنظمة ليست ذات جدوى تُذكر في حماية المال العام أو تفعيل وتحسين كفاءة الصرف. وما أقصده بكفاءة الصرف هنا هو جودة المخرجات في كل دائرة حكومية بداية من أنواع وألوان كراسى الانتظار للمراجعين مثلاً في الدوائر الحكومية إلى مواصفات الأجهزة المتقدمة والطرق والجسور والمنشآت والبرامج الحكومية العملاقة التي تسعى الدولة مشكورة إلى طرحها لخدمة المواطن والارتقاء بمستواه المعيشي. بينما لو تحدثنا مع أي مسؤول في أيّ من تلك الدوائر والمؤسسات عن أهمية هذه الأنظمة والإجراءات، فإنه سيدافع عنها بكل جدية وموضوعية. ويبقى السؤال عالقاً: أين تكمن المشكلة إذاً؟   لنكون واضحين، يجب أن نتفق على أن أي نظام إنما وجد لهدف ولسد ثغرة أو درء خطر إداري أو مالي معين. فنظام المشتريات الحكومي، على سبيل المثال، ينص على وجوب طرح مناقصات معلنة وعامة للمشتريات أو المشاريع التي تزيد تكلفتها عن مبلغ معين. وهذا إجراء يحد من إمكانية المغالاة في أسعار المشتريات أو حصر المنفعة لمورد معين أو مقاول بحد ذاته. وهذا هدف سام وجيد بكل تأكيد، ولكن أطرح بعض التساؤلات هنا. ما الآلية التي تضمن أن لا يكون هناك تواطؤ بين الموردين لرفع الأسعار على الدولة وتقسيم المشاريع والمناقصات فيما بينهم في الخفاء؟ وما الذي يضمن أن تُحدد الشروط والمواصفات بالشكل الذي يتناسب فعالاً مع حاجة الجهة؟ وما الذي يمنع موردا أو مقاولا من أن يقدم سعراً منخفضاً بشكل ملفت، لأنه ينوي التهاون في تنفيذ توريد المنتج بمواصفات ومزايا عالية الجودة أو الضغط على مقاولين من الباطن ليسخدموا مواد رديئة أو تصاميم غير مدروسة لمجرد خفض التكلفة لحد يضمن ربحيتهم على حساب المصلحة العامة؟ كل هذه تساؤلات ومخاطر واردة أذكرها على سبيل المثال، لا الحصر. ومن الممكن حدوثها في أي جهة أو دائرة كانت. ولذا، فإنه من الواجب على أي منشأة أخذ الاحترازات ووضع الآليات التي تحد من هذه المخاطر بشكل يضمن حداً أدنى من الجودة في المخرجات النهائية لها ويساعدها في تحقيق أهدافها العامة بشكل مرضٍ للمواطن والمشرع معاً. وهنا تحديداً يأتي دور المراجع الداخلي كأحد أهم المحاور الإدارية التي يُعَوّل عليها في سد هذه الثغرة. ومن هذا المنطلق، صدرت اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة الصادرة من ديوان المراقبة العامة بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 129 في 6/4/1428هـ.. وتنص اللائحة على تشكيل إدارة للمراجعة الداخلية في جميع مؤسسات الدولة. ومن المؤكد أن هذه خطوة هامة وقرار بالغ الحكمة، ولكن يظل التنفيذ الفعال لها في أرض الواقع هو الأهم. ففي رأيي أن الكثير من الأجهزة والمؤسسات الحكومية تفتقر حتى الآن لوجود وحدة مراجعة داخلية فعالة تعمل بطريقة علمية وممنهجة للتأكد من بلوغ تلك المنشأة أهدافها الإستراتيجية والتشغيلية، على حدٍ سواء. وللأسف فإن هناك غيابا عاما للوعي لدى قادة بعض الجهات والموظفين الحكوميين عن مدى أهمية هذه الجهات الرقابية في تقويم أداء العمل وتسيير الأعمال في أي منشأة. بل ان الموظف الحكومي ينظر للمراجع الداخلي عادة كفرد مزعج وفضولي، إن صح التعبير، يتدخل في عملي ويعتقد أنه يمكن أن يراقب أدائي ويطور منه، هذا وأنا صاحب الخبرة في هذا الإدارة لعشرات السنين! وهذه بالطبع نظرة سلبية وخاطئة تصور أعمال إدارة المراجعة الداخلية وكأنها مجرد طبقة أخرى من البيروقراطية التي تزيد من تعقيدات العمل بدون فائدة تذكر! وعلى الرغم من أن هذا الوعي بأهمية المراجعة الداخلية ضعيف أيضاً في شركات القطاع الخاص، إلا أنه أقلُّ سوءاً، بسبب ديناميكية ذلك القطاع في التعامل مع المتغيرات وسرعة تجاوبه معها.  وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصطلحيّ «المراقبة» و«المراجعة» يتم تداولهما واستخدامهما في التعبير عن نفس المفهوم العام للهدف من هذه الوحدة في المنشأة. وعلى عكس الانطباع الخاطئ أعلاه، تحمل إدارة المراجعة الداخلية أهمية قصوى في أي منشأة في مساعدتها على تحقيق أهدافها التشغيلية والإستراتيجية المنشودة، على حدٍ سواء، في كافة مجالاتها وأنشطتها المناطة بها. ويتم ذلك عن طريق عمل مسح وتحليل للمخاطر الكامنة في جميع العمليات الإدارية داخل المنشأة. ومن ثم وضع آلية رقابة مستَديمة وفعَّالة تستهدف نقاط الضعف أو مصادر المخاطر الإدارية والتشغيلية والمالية في المنشأة بشكل دوري وممنهج يهدف إلى تقليل تلك المخاطر والكشف عن مصادر الخلل واقتراح آليات تلافيها ومعالجتها للإدارة العليا في المنشأه. وأود هنا أن أوضح أهم عوامل نجاح أي وحدة مراجعة داخلية في أي منشأة، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص، على حدٍ سواء.   في رأيي أن العامل الأول والأهم في نجاح وحدة المراجعة الداخلية هو توفير الدعم الكامل والمستمر لها من الإدارة العليا متمثلاً في إعطائها الصلاحيات التي تخولها لأداء عملها بشكل سلس وفعال يصب في المصلحة العامة للمنشأة بدون حواجز أو تحفظات في أي إدارة. ويُؤدي هذا النوع من الدعم الجدي والمعلن إلى مناخ صحي لعملية المراجعة يؤدي بها إلى تحقيق الهدف الأسمى لها، وهو تصحيح الأداء وإعطاء قيمة مضافة للمنشأة وإدارتها. ثانياً، يتوجب على أي مراجع داخلي العمل في إطار الإستراتيجية العامة للجهة التي يتبع لها بحيث تتناغم أهدافه العامة للمراجعة في مساعدة الجهة التي يتبعها في تحقيق أهدافها الإستراتيجية. ويتم ذلك من خلال إعداد خطة مراجعة تحتوي على تركيز مناسب لمكامن المخاطر المالية والإدارية والتشغيلية للجهة. وهذا من شأنه أن يضمن وجود تناغم بين عمل المراجع وأعمال الإدارات الأخرى. ثالثاً، يحتاج نجاح المراجع الداخلي إلى تمتعه بالاستقلالية عن الجهات الداخلية للمنشأة التي يقوم بمراقبتها. فهذا يضمن عدم تضارب المصالح بين عمله وأعمال الإدارات الأخرى في المنشأة ويضمن له حرية تقصي الحقائق دون حرج أو تخوف من عواقب قد تتبع عمله فيما بعد. وفي الواقع أن اللائحة سابقة الذكر تنص على ضرورة أن يعود المراجع الداخلي في عمله مباشرة إلى المسؤول الأعلى في الجهة أو المؤسسة العامة التي يعمل بها. وهذا جيد، لكن أضيف هنا أنه قد يكون من الأفضل عودة المراجع الداخلي أيضاً في عمله في الجهات الحكومية إلى ديوان المراقبة العامة أو للجنة مراجعة مستقلة داخل المنشأة، على أقل تقدير. رابعاً، من الضروري لإدارة المراجعة الداخلية أن تتسم بالشفافية في القيام بأعمالها داخل المنشأة، حيث إن من شأن ذلك رفع درجة الثقة فيها والنظر إليها بمنظور إجابي كجهة ذات قيمة مضافة تحرص في أداء عملها على المصلحة العامة للمنشأة وليس استهداف جهات أو أقسام معينة في المنشأة بشكل عشوائي أو غير مبرر. وأخيراً، وليس آخراً، يجب أن يتحلى المراجع الداخلي بالموضوعية في عمله الرقابي وجمعه للأدلة وتحليلها. وتُعّرَف «الموضوعية» بأنها الصِفَة التي تجعل المراجع يتخذ قرارات محايدة وخالية من التحيز في أداء عمله. ويتم ذلك بأن يبتعد المراجع عن اتخاذ القرارت الإدارية أو المشاركة في الأعمال اليومية للمنشأة أو أي مهام داخل المنشأة من شأنها أن تٌولد تعارض لمصالحه مع أهداف عملية المراجعة.   وبالتأمل في عوامل النجاح المذكورة هنا، يجدر بكل مسؤول عن جهة أو مؤسسة حكومية ذات ميزانية مستقلة أن ينظر بعين الحرص في إدارة المراجعة الداخلية لديه ليتأكد من توافر الكفاءات من الكوادر البشرية والمحاسبين المدربين لها. وليتأكد من توافر مقومات نجاحها بشكل وافٍ. علاوة على أن توفر هذه العوامل في إدارة المراجعة يفتح المجال للإدارة العليا في تقييم أدائها بشكل أفضل وأكثر موضوعية أيضاً. ومن هنا أتمنى أن يتم تسليط الضوء بشكل أكبر على هذه الجهة الرقابية الحساسة في أجهزة الدولة ليتم استغلالها بالشكل الأمثل لرفع مستوى الأداء وكفاءة العمل والصرف وخدمة المصلحة العامة. والله ولي التوفيق.*  المراجع الداخلي- بالإنابةجامعة الملك فهد للبترول والمعادن