عبثت ايران كثيرا بأمن مصر، فمنذ نهاية عهد الرئيس محمد حسني مبارك، كانت ايران ترى ان الضرورة الاستراتيجية تدعوها لتعزيز نفوذها في المنطقة، وهذا يتطلب وجود نظام حكم ضعيف أو مخترق في مصر، وكثيرا ما اعلنت الاستخبارات المصرية عن القبض على دبلوماسيين ايرانيين يقومون باعمال تجسس ضد مصر، حاولوا اختراق المؤسسة العسكرية، والامنية، وحاولوا شراء ذمم بعض الشخصيات ودور النشر ومراكز الدراسات والابحاث، ودعم التيارات الصوفية وتأليبها ضد الامن العربي، ودعم انشاء مكون اجتماعي شيعي في مصر، ولم تتوقف طهران عند ذلك، بل كانت استراتيجيتها السيطرة على الآثار الدينية الفاطمية، والتأسيس لعلاقة تبعية تاريخية بايران وبالقيم الصفوية.
وجدت ايران ان دعم حركة حماس وتوظيف هذه العلاقة وجعلها من ادوات السياسة الايرانية، سيضعف الامن المصري، ستكون حماس اداة لها في مصر وضد اسرائيل، بحجة دعم المقاومة التي لم تدعم مجانا حسب اعترافات قياديين في حماس، وهذا يظهر ان المذهب لدى طهران ليس عائقا طالما ان الجهة المقابلة تؤدي خدمة تصب في المحصلة بالمصالح الاستراتيجية الايرانية، وبعد حكم الرئيس السابق محمد مرسي قدمت ايران كل امكاناتها لتحقيق ذات الاستراتيجية، وحاولت استغلال حاجة مصر، وربطت الدعم الايراني بالتدخل الناعم، وفي ذات الوقت عمدت الى دعم تبني ذات النموذج الايراني خلافا للنموذج التركي، ونصحت الاخوان بجعل سيناء محطة اسناد خلفية تعمل بها تنظيمات متطرفة لابتزاز اسرائيل وامريكا، ومرة لابتزاز الجيش المصري وبيان ضعفه، فيما كان الاخوان وعلى الطريقة الايرانية يمهدون لعقد اتفاق طويل المدى بين حماس واسرائيل مدته 20 عاما، وعقدوا صفقة مع واشنطن حول سيناء، وكان الاخوان يرسلون رسائل حول فشل الجيش في صناعة الامن في هذه المنطقة، وان لديهم الحلول، حتى كشف الجيش اللعبة ليست عليه وانما على مصر والمنطقة.
بالامس استدعت الخارجية المصرية مجتبى أماني القائم بالاعمال في سفارة ايران في القاهرة، وذلك احتجاجا على التدخل الايراني في الشؤون الداخلية المصرية، والمطالبة بعقد مؤتمر للحوار الوطني في مصر لوقف العنف السياسي، في وقت يعلم المصريون ان الحرس الثوري الايراني قام بتدريب مجموعات لحساب نظام الحكم السابق، لتكون قوة خاصة بالاخوان وعلى شاكلة الحرس الثوري، وهي القوة التي تدعم العنف والارهاب في مصر اليوم، وبعض منها مخترق لصالح الاستخبارات الايرانية، ولهذا فان استهجان المصريين يبدو واضحا من هذا التدخل، المرفوض من جميع الدول، فالمصريون لديهم حساسية وطنية عالية ممن يتدخل في شؤونهم، ممن يحاول تعليمهم الف باء السياسة والادارة، وهو ما أكده الدكتور بدر عبدالعاطي الناطق باسم الخارجية المصرية بقوله: (مصر لن تسمح مطلقاً لأي دولة بالتدخل في شؤونها الداخلية).
«مرضية أفخم» ليست مستجدة في عالم السياسة والامن، وهي لا تنطق عن الهوى، وانما يقال لها افعلي هذا واتركي هذا وفقا لمتطلبات وحاجات السياسة الايرانية الاستفزازية، ما دفعها للقول: ان إيران تعبر عن قلقها تجاه تأزم الأوضاع في مصر، الجمهورية الإسلامية الإيرانية تراقب وبقلق التطورات الأخيرة في مصر، خاصة بعد الاشتباكات الاخيرة التي بين قوات الأمن ومؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين، أوقعت 17 قتيلاً وان ذلك يستدعي قيام حوار وطني بديلا للعنف، ولعل لغة البيان الايراني قريبة جدا من تلك البيانات ذات الصبغة والنفس الفوقي والاستعلائي للدول الاستعمارية، التي ترى أن الواجب يضطرها للتعبير عن قلقها مما يجري، ولم يبق على ايران الا ارسال بعثة للتقصي ومعرفة الحقائق، وهذا مؤشر على الاصابة بمرض وهم القوة والنفوذ التي تعيشه ايران.
هناك للأسف دول مثل ايران تعتقد بأنها مؤهلة لفرض نفسها اقليميا، وانها تقوم بدور اقليمي يدفعها ويمنحها حق التدخل في الشأن الداخلي للدول المحيطة، ففي وقت يرفض العراقيون الاشارات الايرانية للتدخل عسكريا في بلادهم، يرفض اللبنانيون والسوريون واليمنيون والبحرينيون التدخل الايراني ويرفضونه مهما كانت طبيعته، ومع ذلك تهرب ايران من مشكلاتها الداخلية، للعبث بأمن واستقرار الدول الاقليمية، بدلا من أن تعنى بمشكلاتها وتعالج اخطاءها مع شعوبها، وهي لم تدرك بعد أن استنزاف ثرواتها في ادامة التوتر الخارجي لن يصنع لها أمنا ولا استقرارا.
أثر العلم في المجتمعات!لن تجد مجتمعاً تنتشر فيه الخرافات والأساطير جنبا إلى جنب مع نهضة علمية ومعرفية، فالعدو اللدود للخرافات العلم، وتبعا لهذا كلما اتسعت مساحة العلوم والمعارف كلما تناقصت مساحة الخرافة.. هذه كلمات بات من المسلم بصحتها، بالمثل عند النظر لمجتمع له مظلة واسعة من القوانين والأنظمة، فإنك لن تجد بين جوانبه الفوضى والانفلات.. ومرة أخرى لا يمكن أن تسود قيم الحقوق والعدالة في مجتمع غير متعلم لا يولي الحراك العلمي العناية والاهتمام.. وبحق فإن العلم هو المحرك لأي عملية تطور إنساني، وهو صمام الأمان للأمم والشعوب.. هذا العمق والقوة في أثر العلم أدركها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، فاهتم بهذا الجانب وأولاه العناية البالغة، وكان نتيجة لهذه الرؤية أن شاهدنا صروحاً جامعية جبارة يتم تأسيسها في بضع سنوات، حتى غدت أرجاء مملكتنا الحبيبة مغطاة جغرافيا بالمدن الجامعية المتعددة في تخصصاتها العلمية، فضلا عن عشرات الكليات العلمية. ليس هذا وحسب، إنما أسس وأطلق مشروع الابتعاث الخارجي، فتم إلحاق أبنائنا وبناتنا؛ لمواصلة تعليمهم العالي في كبرى الجامعات العالمية التي عرف عنها التميز والقوة العلمية. هذه العناية العظيمة بالعلم والإدراك التام لأثره في تطور وتقدم المجتمعات، كانت شاملة وعامة من التعليم العالي إلى التعليم ما دون الابتدائي وأقصد تعليم رياض الأطفال، والذي لم يكن متواجدا على أرض الواقع بما هو عليه اليوم، فلن ينسى التاريخ ولا ذاكرة الإنسان السعودي أن هذا الملك العادل هو من أسس وأدخل تعليم رياض الأطفال لمنظومة التعليم الشامل جنبا لجنب مع المراحل التعليمية الأخرى كالابتدائية والمتوسط والثانوية.. ففي فترة زمنية قليلة جدا لم تتجاوز العام الواحد تم توظيف الآلاف من بنات الوطن كمعلمات رياض أطفال، واللاتي تخرجن منذ سنوات ولم يجدن أي فرصة عمل، والنظر لملف تعليم رياض الأطفال وحده سيذهلك بالانجازات التي تحققت في فترة زمنية قليلة جدا، حيث تم تأسيس مرحلة تعليمية كاملة وتم توظيف أكثر من 6740 معلمة، وتم فتح نحو 3101 فصل دراسي يدرس فيها نحو 74434 طفلا وطفلة، وبناء على هذا النجاح الذي يذكر فيشكر، تعمل وزارة التربية والتعليم اليوم على التوسع وإلحاق المزيد من المعلمات وفتح المزيد من الفصول الدراسية لتصل إلى 6101 فصل دراسي تستقبل 146424 طفلاً – توسع مضاعف -، مرة أخرى لم يكن ليتحقق هذا النجاح وهذا المنجز العظيم في فترة زمنية قليلة جدا، لولا فضل الله ثم دعم وتوجيه واهتمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله.. الذي يعلم أن للعلم قوة بالغة ومميزة؛ لنهضة الأمم والشعوب وتميزها وتقدمها، فعمل أن يكون هذا الشعب الذي معظمه يتكون من الشباب متسلحاً بالعلم والمعرفة، لأنها السبيل الوحيد لنبذ العصبية وهي الطريق نحو مزيد من الوحدة الوطنية والبناء الحضاري.