معلوم أن من أهداف هيئة «نزاهة» تعزيز الشفافية، وصنع مساحة حقيقية تستوعب الحقوق وتحفظ فيها.
كما أنها تكرس مبادئ الأمانة، والنزاهة، والصلاح فيما يخص العلاقات والتعاملات المختلفة بين مقومات وثروات ومكتسبات الوطن وحقوق وحاجات ومنافع المواطن.
ودعونا ننطلق من تلك الآية الكريمة، حيث يقول الله تعالى: «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون».
وهذا المنطلق الإيماني يحقق مفهوم الأمانة الحقيقية عند الوفاء بالعهد الذي يقطعه المسلم على نفسه حين يتحمل عهدة ما، أو يلتزم، أو يلزم بعمل ما، أو يكلف بأمر يخص جهة، أو طرفا، أو حتى فيما يخصه هو.القسم عادة حسنة وموجودة فهاهم الأمراء المعينون على الإمارات يقسمون، وها هم الوزراء على وزارتهم كذلك، وها هي مطبقة عند العسكريين، ولدى الأطباء، لأنهم يحملون أمانة عظيمة، ويتعاملون مع أمور حساسة، ولا يوجد تشكيك فيهم. لكن مثل هذا القسم تحفيز للرقيب الذاتي داخلهم، لأنه مرتبط بعهد أمام اللهولعلنا حين نتحدث عن الفساد الإداري والمالي نعلم بأن هناك من لا يفي بما عاهد الله عليه ولا ما أؤتمن عليه، لذا تجد أن النسيج النظامي يخترق بسهولة، وتجد ان ذمم البعض تتسع حسب المصلحة والمنفعة حين لا يوجد ذاك الرادع الحق، أو تنعدم الرقابة الذاتية لدى أحدهم، خصوصا ذلك المسئول الذي ينبغي أن يحفظ ويحافظ على مكتسبات وأموال ومقدرات وطنه.
وقد تكون نظرية حين يخون الفرد، الفرد فإنه يكون قريبا من خيانة المجتمع، وهذا أمر خطير جدا، فليس بعد ذلك إلا الوطن فالدين.
ومما يلاحظ بفخر أن هيئة «نزاهة « كانت سباقة في استحثاث موظفيها، وحضهم على الإقرار بالذمة المالية، والإدلاء بالقسم «القسم الوظيفي» للعاملين فيها الذي يعد عهدا مقطوعا ومخالفته مخالفة للدين قبل كل شيء. وجاء ما نصه في سياسة «نزاهة «: إن الإقرار يعتبر « وثيقة براءة لا وثيقة اتهام» ، تحمل في طياتها الشفافية والسرية.
فالشفافية تبدأ من حيث شرع الموظف بكتابة إقراره فهو الرقيب على ذاته, وهو المسؤول عما يسطره قلمه, والسرية تنطلق من حرص إدارة إقرارات الذمة المالية عليها، فتيقن أخي الموظف أن إقرارك تحفظه بحفظ الله أيد أمينة» .. انتهى.
وذلك يعتبر شيئا جميلا، لكن في حقيقة الأمر أجده غير فعال فيما يخص مهام وسلطات وأعمال «نزاهة» نفسها تجاه متاهات الفساد التي تتابعها.
فهي قد تضمن - بإذن الله - ولاء ومصداقية وصلاح الموظف لديها، لكن هذا الأمر لا يحل في حقيقته قضايا الفساد في أماكن أخرى.
وما أريد الذهاب إليه هو أنه يجب أن كل ما تتبعه «نزاهة « من إقرار للذمة أو إدلاء بالقسم «القسم الوظيفي» يفترض ان يطبق على كل مسئول وصاحب منصب.
ويمكن اختيار المكان كحضورهم في مجلس الشورى، ويمكن تحديد الكيفية والطريقة لذلك حسبما تضعه هيئة «نزاهة «.
وأجد ان الأمر سهل، فالتعيينات ليست كبيرة ولا كثيرة، فأهل المناصب يمكن تعاونهم في ذلك بكل شفافية ويسر.
ويجب ان يعرف أن مثل هذا القسم هو اقتضاء للسياسة الشرعية، والمصلحة الوطنية لا سيما لمن أراد العمل في مكان تسند إليه فيه مهام تنفيذية.
كما يجب ألا يعتبر التزاما شرفيا لا أثر له، بل هو التزام نافذ ومسئول ومحسوب على كل من يحيطه ذلك.
ختام القول: القسم عادة حسنة وموجودة، فهاهم الأمراء المعينون على الإمارات يقسمون، وها هم الوزراء على وزارتهم كذلك، وها هي مطبقة عند العسكريين، ولدى الأطباء، لأنهم يحملون أمانة عظيمة ويتعاملون مع أمور حساسة ولا يوجد تشكيك فيهم.
لكن مثل هذا القسم هو تحفيز للرقيب الذاتي داخلهم، لأنه مرتبط بعهد أمام الله.
أليس جديرا ان يدخل ضمن هؤلاء المتنفذين، وأصحاب المناصب كي يكونوا حملوا الأمانة بالقسم أن يكون ذلك مثيرا إيجابيا للرقيب الذاتي داخلهم ومذكرا لهم بتحمل مسئولية وأمانة وعهد سيحاسبون عليه يوم القيامة؟!