إيرادات المملكة لعام 2014 المقررة في ميزانية الدولة لهذه السنة 1131 مليار ريال، وتشكل الإيرادات البترولية 90% منها. وتوقع معالي وزير المالية خلال إعلانه عن الميزانية أن يحقق الناتج المحلي للقطاع غير البترولي بشقيه الحكومي والخاص نمواً بنسبة 6,99 في المائة، وأن ينمو القطاع الحكومي بنسبة 1,56 % والقطاع الخاص بنسبة 9,38 %، أما القطاع النفطي فقد شهد انخفاضاً في قيمته بنسبة 3,83 % بالأسعار الجارية.
قد يمر هذا التصريح أو التوقع من وزارة المالية بدون الانتباه الى أن هذه الأرقام تعكس نتائج خطط المملكة نحو التنمية الاقتصادية الشاملة، خاصة فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل.
التوجه نحو تقليل اعتماد المملكة على البترول يتطلب خططا استراتيجية، ومشاريع تنموية ضخمة على مدى العقود القادمة. هذا التوجه سيكون بطيئا لعدة أسباب، منها أن المملكة تعتبر القوة المؤثرة في توازن واستقرار السوق البترولية العالمية والمملكة من واقع مسئولياتها تجاه المجتمع الاقتصادي الدولي، ومن شأن التحركات السريعة أن تخلق اضطرابا في السوق العالمي. الأمر الثاني هو أن مشاريع بناء مؤسسات الاستثمار في المعرفة والبنية الأساسية للاقتصاد المعرفي خاصة الموارد البشرية مازالت في بداياتها.
تواجه خطط تنمية الموارد البشرية السعودية عامل الزمن يؤثر على عدة جوانب من التنمية. فخطط التنمية تواجه مشاكل النمو السكاني وتحقيق متطلباته من الخدمات، باستثمار أحد مخرجاته وهو العقول البشرية. لعل أبرز ما جاء في الميزانية نحو دعم اهم الموارد البشرية السعودية، يشكل قناعة الدولة من أهمية اعداد العقول السعودية الشابة نحو تحمل مسؤولياتها في ادارة وتنفيذ خدمات الدولة. الملاحظ أن مشاريع التعليم العالي لتطوير مشاريع الجامعات بملبغ 13 مليار ريال، وتمويل برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي بمبلغ 22 مليار ريال، وبشكل عام يبلغ ما خصصته الدولة لكل قطاع التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة 210 مليارات ريال، مما يلخص جهود الحكومة في بناء القدرات الوطنية القادرة على انتاج واستثمار المعرفة.
تذكرنا ميزانية المملكة لهذا العام بسنوات الطفرة، ولكن مع اختلاف كبير، وهو التنمية والانفاق الحكومي المتوازن والشامل. إضافة الى نضوج السوق السعودي، وتطور القطاع الخاص أصبح له دور كبير في تنفيذ مشاريع وخدمات الدولة، فعلى سبيل المثال الخدمات البلدية تبلغ قيمة مشاريعها 95 مليارا، وهو رقم هائل لمشاريع يستطيع القطاع الخاص تنفيذ الكثير منها. مما يؤدي في النهاية الى تكوين دورة اقتصادية محلية فاعلة.
مازلنا في مراحل بناء الاقتصاد المعرفي السعودي، يقول بعض خبراء الاقتصاد المعرفي، أنه لكي تستطيع تنمية وبناء اقتصاد قائم على المعرفة، فإنه يجب الاعتماد على اقتصاد حر تتوفر فيه المؤسسات الأساسية لإنتاج المعرفة وتنميتها، وتطويرها واستثمارها، وأن يترك السوق لنمو المؤسسات المعرفية وأزدهارها نتيجة قوى السوق. الاقتصاد السعودي، تتوفر فيه المؤسسات الضرورية، ولكن مازال ينقصه جوانب مهمة فيما يتعلق بالتشريعات والمؤسسات التي تنظم إنتاج المعرفة واستثمارها على وجه الخصوص.
اتخذت المملكة مفترق الطرق لوداع البترول كمصدر دخل أساسي للدولة، هذا الطريق طويل، وغير ممهد، والأمل متعلق بنتائج التعليم العالي ببناء قدرات وطنية قادرة على مواجهة هذه الصعوبات.