أصبح فوز الكاتبة الكندية آليس منرو، بجائزة نوبل للآداب لهذا العام، حديث الأوساط الثقافية والأدبية في شتى أقطار العالم .. حيث أعاد فوزها المجد لأدب القصة القصيرة، ولفت الأنظار إلى قوام القصة القصيرة في العصر الحديث ، الذي شهد تنافسا شديدا بين الرواية والقصة القصيرة، هذا بخلاف ارتفاع أسعار الطباعة، وبالتالي ارتفاع أسعار الكتب، ويرجع البعض عدم الاهتمام بأناقة الأسلوب، وعدم ادراك أهمية شكل القصة القصيرة، ومضمونها إلى تدنى المستوى التعليمي والثقافي في المجتمعات العربية
أديب عالميفي البداية يقول الكاتب والروائي سمير الفيل: لا ننسى أدباء القصة القصيرة ممن سطعت أعمالهم في سماء العالم الأدبي، وعلى رأسهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، والذى يعد من أشهر الأدباء العرب، حيث ينفرد بينهم بحصوله على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، والذى بدأ رحلته الأدبية بكتابة القصة القصيرة في عام 1936، و كان له أسلوب فريد وإنتاج غزير في كتابة الرواية، حتى أصبح أشهر الأدباء العرب لدى شعوب العالم.
ويرى سمير الفيل أن القصة القصيرة فن مراوغ وحصان جامح، لابد له من قائد بارع وماهر، يستطيع أن يروض هذا الفن المشاكس، والمراوغ معاً، والجميل والرائع في ذات الوقت، وهكذا لابد من أن يتمكن الكاتب من كبح جماح فرس القصة القصيرة، ويطوعه حتى إذا استكان وهدأ، يجرى في نهره، فيفيض من قلمه درراً رائعة.
ويضيف قائلا: لابد من الاهتمام الحساس باللغة، والتوظيف الناضج لها، وأن يتعهد الكاتب دائماً وباستمرار بالاهتمام بهذا البناء العظيم في داخله، وهناك العديد من الكتاب أصحاب بناء من طراز فريد،مثل كاتبنا الكبير يوسف السباعي، وأديبنا البارع يوسف ادريس، وغيرهم الكثير من عظماء القصة القصيرة، بحيث لا تفلت من قلمهم ولا لمحة إلا بعد أن يثقلها بالدلالات وبعد أن يوظفها في إثراء المستويات المتعددة من المعنى في عمله الفني، ولا يتريث لدى جزئية دون أن يكون لهذا التريث قيمته البنائية الكبيرة.
خطوات للعالميةويضيف قائلا: أهم مقومات كاتب القصة العالمي التي نهديها للأجيال الشابة بعد رحلة طويلة مع كتابة القصة القصيرة، هي 6 خطوات للوصول إلى جائزة نوبل:
الأولى: ملاحظة وتتبع الحدث الذي يوحي للكاتب بالدلالة التي يمكن استخلاصها منه
الثانية: القراءة العامة والخاصة للقصص والروايات الجديدة وكذلك الدراسات النقدية المكتوبة عنها.
الثالثة: التجربة والمعاناةالرابعة: الموقف الخاص بالكاتب وأساسه الإحساس الخالص باللحظة الراهنة مع خلط الواقع بخيال الكاتب واضافة لمساته الفنية واتقان الحبكة الدرامية.
الخامسة: الشعور الشديد بالمسئولية نحو الرغبة الملحة في كتابة القصة.
السادسة : ترجمة الأعمال الأدبية إلى اللغات الأخرى، ونشرها في مختلف أقطار العالم.
مرفوضة تمامامن جهته، أشار الكاتب والروائي سمير المنزلاوي إلى أنه في المعتاد يبدأ الكاتب بكتابة القصة بعد خبرة ليست بالقليلة بالأدب، وربما يبدأ الكاتب صحفيا، ثم كاتب مقال ثم ينتهي مؤلف قصص قصيرة، حيث تتميز القصة بالحشد والتكثيف للفكرة واللغة، مما يعني خبرة القلم. ويضيف قائلا: لقد قرأت كلاسيكيات الأدب بالطبع لنجيب محفوظ ويوسف ادريس ويوسف السباعي وغيرهم من رموز الأدب العربي، من الذين تفتح كتاباتهم بابا على الروح وعوالمها، كذلك أقرأ لعدد من شباب الأدباء، والذين يحتاجون إلى من يكتشف مواهبهم ويخرج بهم إلى نور الإبداع.
ويشير إلى أن الابداع دائما يفرض نفسه، وهو الذي يميز أديبا عن غيره، بل هو الذي يسطع شمس أديب، وآخر تميته تقليديته، وتمسكه بالقوانين والقوالب الأدبية الجامدة، التي لاتصنع ابداعا.
وأضاف المنزلاوي قائلا : أعلم أن الجميع الآن تشغله السياسة وأحداثها الجسيمة والتوجس من مستقبل لم تتحدد ملامحه بعد، وثورات لم تخمد نيرانها هنا وهناك، وأعباء اقتصادية واجتماعية لا نهاية لها مما أدى إلى عزوف الشباب عن قراءة الكتب، حيث إنهم مشغولون بمشاكل البطالة والفقر والمرض، وعدم الاستقرار السياسي، والانشغال بتدبير لقمة العيش، والبحث الدائم عن فرصة عمل في ظل حالة من البطالة لانهاية لها، هذا بخلاف السهر ليلا أمام شاشات التليفزيون والأنترنت، مما سيطر نفسيا ومعنويا على عقول الشباب، وقتل مواهبهم وهواياتهم، ولكنى أعدها فترة صمت لنقرأ ماحولنا، ولنتعرف على هذا العالم الوليد الجديد وإلى أين سيأخذنا؟ هل إلى مشهد جديد نتمناه، أم إلى حيرة جديدة وتشابك أفكار غير منته.
واقع القصةوترى الكاتبة والأديبة هناء رشاد، أن القصة القصيرة مازال لها جمهورها العريض من القراء، كذلك لا تزال القصص القصيرة تحتل صدارة الدوريات الأدبية، مما يدل على أن جمهور القصة القصيرة لا يزال بخير، وعندما أصدرت مجلة العربي الكويتية (كتاب العربي) وهو مختارات قصصية لخمسين قصة قصيرة لخمسين كاتباً عربياً، نفدت على الفور من الأسواق، وكذلك عندما يتم الإعلان عن مسابقة للقصة القصيرة في مصر والعالم العربي، يتقدم إليها مئات الكتاب، وهناك أكثر من مجموعة قصصية متميزة ظهرت في الفترة الأخيرة، تستحق جميعها التقدير.
لغة خاصةوتضيف القاصة والروائية هيام عبد الهادى: استطاعت المرأة أن تنتزع حقها في الحرية في التعبير، وعدم الوقوف في الصفوف التقليدية والانزواء وراء جدر الحياء، إلا بعض الحالات التي مازالت تستخدم في كتاباتها اسماء مستعارة، وهنا اندهش كيف لاتفرض المرأة اسمها وأدبها على الجميع، ربما مازالت المجتمعات العربية، ترى أن ما تكتبه المرأة الأديبة على أنها تحكي تجربتها الشخصية، ومازال مجتمعنا العربي يحتاج الى مزيد من التثقيف والتغيير في الافكار القديمة، ويجب أن تكون نظرته للمرأة الأديبة هي نظرته للرجل الأديب، لأن كل منهما ينتج فكرا، والدليل هو حصول الأديبة اليس منرو على جائزة نوبل مع أنها امرأة.
قواعد القصةوأكد محسن دومة صحفي وكاتب قصة قصيرة، أنه لابد من الالتزام بقواعد القصة التعبيرية، مع ضرورة التعبير عن موجة القلق التي تسود المجتمع والضغوط التي يتعرض لها الإنسان المعاصر، والتي تعد من أهم مقومات خلق الكاتب المبدع، فالابداع دائما يخرج من المعاناة، مع العمل على تطوير أدوات الكاتب الفنية في كتابة القصة القصيرة، في ذلك الوقت يتمكن من الوصول إلى العالمية.