تناولنا في المقال السابق بواعث التقارب الامريكي من ايران واجملناها في اربعة اسباب رئيسية: اولا العودة للتفاوض على وثيقة طهران 2003 وهي عرض ايراني قدم بعد غزو العراق في 2003 مباشرة وتم رفضه من قبل ادارة جورج بوش. ثانيا عقيدة اوباما الشرق اوسطية والتي تؤكد على مبدأ إنهاء الحروب والصراعات واعتماد مبدأ التفاوض والتعاون بدلا من المواجهة والأحادية في الشؤون الدولية والتي تأكدت في العراق وافغانستان وسوريا والملف النووي الايراني. ثالثا إستراتيجية أمريكا الجديدة والتركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادي في محاولة لمحاصرة صعود الصين الذي اصبح يهدد الاقتصاد الامريكي. اخيرا الازمة المالية الاخيرة المتمخضة عن الخلاف بين الادارة والكونجرس على الموازنة والتي أصابت الحكومة الفدرالية بالشلل والتي هي جزء من توابع الازمة المالية العالمية. الا اني في هذا المقال احببت ان استقرئ اسباب رغبة طهران التقارب من واشنطن. لا يمكن حصر جميع الاسباب الا انني سوف اركز على سببين اعتقد انهما جوهريان:
1. استعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية ورفع العقوبات الاقتصادية.في الوقت الحالي اعطاء ايران «دوراً قيادياً» يمكن أن يعني عدداً من الأمور، كتسوية ملائمة للنزاعات السياسية والملفات الساخنة أو تولي مهمات دفاعية عسكرية، أو أداء دور دبلوماسي قيادي، أو التأثير بقوة في السياسة النفطيةإيران تسعى من خلال التقارب مع الولايات المتحدة إلى تخطي أزمة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب عليها قبل سنوات عدة. فتقدر خسائر إيران جراء الحصار المفروض على صادراتها النفطية بنحو 40-50 بليون دولار سنويا. فبحسب البيانات المنشورة من قبل البنك المركزي الايراني تظهر اتجاها نحو الانخفاض في حصة الصادرات الايرانية من المنتجات النفطية: (2006/2007: 84.9%, 2007/2008: 86.5%, 2008/2009: 85.5%, 2009/2010: 79.8%, 2010/2011: 78.9%). اضافة الى ذلك تراجع العملة الايرانية (الريال الإيراني) مقابل الدولار. فمن 13 الف ريال للدولار في عام 2011 الى 34 الف ريال للدولار 2012 مما يعني فقدان الريال أكثر من 75 في المئة من قيمته مقابل الدولار في عام واحد. اضافة الى ذلك التضخم المتسارع الناجم عن العقوبات المصرفية والنفطية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي. وكذلك فقدان الثقة لدى قطاع التجار ورجال الأعمال بالعملة الوطنية بسبب كثرة التقلبات في قيمتها مما دفع بهم إلى استبدالها بالعملات الأجنبية. فهذه الامور المقلقة قد تجتمع لتزيد من احتمالية تفجر الوضع الداخلي وربما يعاد سيناريو مظاهرات عام 2009 الحركة الخضراء او ما حدث عام 2012 ما يسمى احتجاجات بازار طهران الكبير والتي كانت مباشرة بعد انهيار الريال الايراني. فايران تسعى للتقارب مع امريكا للتقليل من حالة الاحتقان السياسي.
2. إعادة دور إيران التقليدي
إيران تسعى كذلك ليس فقط إلى استعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة والغرب ورفع العقوبات الاقتصادية بل إلى إقناع الغرب في استعادة دورها التقليدي في الخليج (كشرطي للخليج)، وهو ما كانت تمارسه قبل قرابة نصف القرن ايام الفترة البهلوية. والملفت ان هناك أصواتا داخل النخب السياسية الأمريكية تتناغم وتتماشى مع هذا التوجه. الايراني. ففي تقرير أعده كل من مستشار الأمن القومي الأسبق زبغينو بريجينسكي والرئيس الأسبق لوكالة الأمن القومي الجنرال ويليام أودوم تحت عنوان (مسار معقول بشأن ايران)A Sensible Path on Iran انتقدا فيه السياسة الأمريكية الحالية تجاه إيران التي تعتمد «العصا والجزرة» بأنها فاشلة وانها بالتأكيد سوف تحول ايران إلى دولة نووية، واقترحا تنفيذ استراتيجية «السياسة الواقعية» عبر التفاوض مع إيران وإعادتها إلى دورها التقليدي التي كانت تمارسه قبل 1979 على عهد الشاة السابق «شرطي الخليج». وفي الوقت الحالي اعطاء ايران «دوراً قيادياً» يمكن أن يعني عدداً من الأمور، كتسوية ملائمة للنزاعات السياسية والملفات الساخنة أو تولي مهمات دفاعية عسكرية، أو أداء دور دبلوماسي قيادي، أو التأثير بقوة في السياسة النفطية.
لعل هناك اسبابا كثيرة للتقارب لكن حاولت ان اذكر اهمها. لكن المهم والجدير بالاهتمام هو تداعيات هذا التقارب على دول الخليج. لعلي في مقالي القادم ان نتوقف قليلا عند هذه الأبعاد نستقرئها نحلل أهم تداعياتها.