الحديث عن أولوية قيادة المرأة للسيارة لا بد أن يقوم ابتداء على مبدأ مهم، وهو أن المرأة شريكة وفاعلة في هذا المجتمع والوطن، وهذه المشاركة تعني أنها تخرج وتنتقل وتمارس حياتها، لأن من لا يرى ذلك أو ربما يراها مشاركة ولكن بالحدود التي لا تخرجها من بيتها إلا للضرورة، فإنه سيرى أن أي وسيلة تساهم في تسهيل خروج المرأة من بيتها يجب أن تواجه وتمنع، أو تُؤخر قدر الإمكان، ومن هنا تصبح قيادة المرأة للسيارة ذريعة للفتنة،الواقع أن جيلنا يختلف عن جيل آبائنا، فالحال ليست هي الحال، لم يعد بالإمكان لأكثر المواطنين أن يكون لهم بيتهم الخاص والذي يحوي غرفة خاصة للسائق، بل لم يعد الراتب يحتمل راتبا إضافيا للسائق، وأي رجل سيقوم بدوره في رفقة أهله سواء كانت أمه أم زوجته أم أخته، سيجد أنه يدفع عدة أوقات من حياته بمقابل إنجاز إنسان واحدوقد يقع المؤيدون في فخ هذا الحوار فيذكرون حججا منها أن هناك أرامل ومطلقات ومن هن بحاجة إلى العمل والخروج اليومي ولا يجدن من يساعدهن في ذلك، وبالتالي تصبح القيادة حاجة ملحة، وفي اعتقادي أن الحقوق لا تبرر، ليست قيادة المرأة حقا لأنها بحاجة إلى ذلك، بل لأنه حقها وكفى، ولأن المدينة الحديثة تتعذر المشاركة فيها دون سهولة التنقل.
لنتحدث قليلا عن المدينة الحديثة باتساعها الجغرافي، وطبيعتها في العمل والتنقل والتباعد التي تختلف كليا عن القرية، هذه المدينة الحديثة التي بات وجود الإنسان فيها يرتبط ارتباطا كليا بالقدرة على التنقل، وليست أي قدرة، بل بالقدرة السهلة المتوفرة قليلة الكلفة، فمتى ما كان التنقل متعذرا في بعض الأوقات، دون أوقات أخرى، وفي مستوى دخل مالي دون مستوى آخر، وفي كل الحالات دون منّة من أحد، فهنا تتحقق فاعلية الإنسان في المجتمع.
لك أن تقف قليلا عن التفكير في الترتيب الفلسفي لأولويات حقوق المرأة، وتفكر في نفسك وفاعليتك في المجتمع، تتخيل نفسك دون سيارة تقودها بنفسك، فأنت مضطر للتنقل بواسطة أحد أفراد عائلتك أو سائق خاص تدفع له راتبا آخر كل شهر، أو صديق، أو غير ذلك، وإذا لم يسعفك الخيال حاول أن تقوم بهذه التجربة لمدة بسيطة، لترى بكل وضوح كم هي الحياة عسيرة، هذا إن قررت ان تكون فاعلا في الحياة، ومؤثرا فيها.
إذن، ترتيب الأولويات هنا واقع فرضته طبيعة المدينة الحديثة، إضافة إلى أن مدننا تفتقد إلى وسائل النقل الأخرى البديلة، وهي الإشكالية التي تجعل العائق مركبا، بخلاف وضع المرأة في الدول الأخرى.
مع أن القضية ليست مجرد مشاركة وفاعلية في المجتمع، فالإنسان هو موجود وفاعل لأجل ذاته قبل أن يكون فاعلا لأجل المجتمع، إن حرية التنقل وسهولته شرط ضروري حتى أواجه الحياة، وأمارس حقي في التجربة، وأمارس حقي أيضا في الخطأ والصواب، ولذلك يذكر المعترضون دائما الأضرار المترتبة على خروج المرأة وقيادتها للسيارة، وأن بقاءها في البيت أو خروجها مع سائق محرم أسلم لها، وهذا طبيعي وبإمكاننا أن نقول الكلام نفسه عن الرجل، فخروج رجلين أسلم من خروج رجل واحد، وكذلك بقاء الرجل في البيت أسلم من خروجه، وإذا كنا سنرى الحياة بهذه الطريقة فإن منعك لأبنائك من الخروج من البيت وعدم الاحتكاك بالحياة والناس هو أسلم لهم أيضا، لكن هذا مناف لطبيعة الحياة، فالحياة هى تشابك بين الصواب والخطأ، وبين الخير والشر، ومن لا ينغمس في الحياة لا يمكنه معرفتها، وبالتالي فاعتبار البقاء في البيت مصلحة أو سلامة أو تغليباً للمصالح هو مناف لطبيعة وجود الإنسان في هذه الحياة.
قضية أخرى وهي لماذا أريد أن تقود المرأة السيارة، أو لماذا أنا متضرر من عدم قيادتها السيارة؟! الواقع أن جيلنا يختلف عن جيل آبائنا، فالحال ليست هي الحال، لم يعد بالإمكان لأكثر المواطنين أن يكون لهم بيتهم الخاص والذي يحوي غرفة خاصة للسائق، بل لم يعد الراتب يحتمل راتبا إضافيا للسائق، وأي رجل سيقوم بدوره في رفقة أهله سواء كانت أمه أم زوجته أم أخته، سيجد أنه يدفع عدة أوقات من حياته بمقابل إنجاز إنسان واحد، سأوضح هذا، وأنا هنا أتكلم بكل واقعية ودون مبالغة، فحين تكون زوجتي مثلا في موعد لزيارة أو عمل رسمي أو تطوعي أو أي أمر يهمها، ويكون الموعد في الدمام وأنا أسكن الخبر، ويستغرق الموعد ساعة كاملة، فحينها سأقوم بإيصالها والبحث عن شيء أقضي به الساعة ثم العودة لأخذها، وحين أستعرض يومي آخر اليوم أو الأسبوع أجد أني مستنزف في الذهاب والانتظار لزوجتي وأمي وأختي ولأبنائي كذلك لأنه لا يوجد من يساندني في هذه المهمة، بالتالي أنا أدفع وقتين وثلاثة وأربعة دون أن أنجز إلا بما يقوم به رجل واحد.