وهكذا سرى الليل بخبر، لا يزال حسب بعض الروايات مكذوبا، عن سقوط دموع أردوغان حين استمع إلى رسالة الاخواني محمد البلتاجي لابنته أسماء. والقصد من الناقلين، صح هذا الخبر أو كذب، أن الرجل تأثر فسقى وادي الإنسانية بدموعه الزكية المباركة.!! ولأني أؤمن إيمانا قاطعا بجواز سقوط الدموع على وفاة إنسان والتضامن مع والده أو والدته، فإنني أؤمن بذلك لكل الناس: أسماء محمد البلتاجي وكل الآخرين (الغلابة) والثوار الذين سقطوا ضحايا الفتنة التي أشعلوها في رابعة والنهضة.
إنني أبكي، ويفترض ألا أتوقف عن البكاء، لتلك الأم التي اسودت عيناها من الحزن على طفلها الذي ألقي به من فوق سطح عمارة الإسكندرية.. وأبكي على ذلك العامل المسكين الضعيف الذي لا أنسى منظر سحله وتقطيع جسده أمام قصر الاتحادية. وأبكي لكل أولئك الذين لا بواكي أتراك أو فرس لهم. إنهم القتلى خارج أجندة الإخوان والإرهابيين. أولئك الذين تلقوا التهديدات تلو التهديدات: «سنسحقكم.. سنرشكم بالدم، وإني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها.»
لن أنتظر، لا لدقيقة ولا لسنة ولا لسنوات، لكي تهتز مشاعر الأهداف الاستراتيجية التركية لمن قُتل خارج بيت الإخوان وبعيدا عن خيمة الأهل والعشيرة. وهذا مفهوم من كل عربي عاقل قارئ للتاريخ والحاضر والأطماع التي تتربص بمشارق العرب ومغاربهم. لكن ما هو غير مفهوم أن تبلغ السذاجة ببعض العرب أن يصدقوا أن دموع اردوغان يمكن أن تسفح لموت إنسان عربي.
للسذاجة، مثل كل شيء، حدود. لكن لايبدو أن هناك الآن حدودا للسذاجة العربية التي تتعاطف وتصفق للدموع التركية المتخيلة. تبلغ السذاجة أو الحماقة مداها حين تذهب أبعد مما ينبغي لتستعدي وتنصر قومية أخرى على قوميتك، وهذا ما لا طاقة لنا به.