الحالة السياسية والأمنية والاجتماعية في مصر قابلة للتصعيد والانفجار بما يهدد أركان الدولة المصرية ووضع البلاد على مسار غير مستقر لفترة طويلة في ظل حالة من السيولة والاستقطاب الحاد لمكونات المجتمع المصري في قطاعاته المختلفة، وذلك وضع يسأل عنه كل مصري سواء كان في السلطة أو المعارضة أو الجيش الذي يدخل اللعبة السياسية مضطرا ولكن من بوابة الخروج وفي الوقت الخطأ مما يزيد من تعقيد الأمور والاشتباه في انحيازه لطرف على حساب طرف آخر، رغم التصريحات الدبلوماسية التي تظهر خلاف ما تبطنه أطراف العملية السياسية.
وللمفارقة فإن المواطن المصري البسيط الذي يسكن القرى والعشوائيات في حزام ومحيط المدن الكبيرة هو الضحية التي يتلاعب بها السياسيون، فيما هو الذي يحدد في الإطار الديمقراطي من يحكم مصر ومن لا يحكمها، وذلك يتجه بنا الى النخبة المصرية التي تسأل عن تلك السيولة السياسية الخطيرة في المشهد المصري، ليتأكد أن مصيبة مصر في نخبتها وحساباتها الضيقة في معاداة نفسها وبعضها، فلا السلطة يمكنها انتاج الاستقرار ولا المعارضة تمتلك فضيلة التنازلات من أجل تحقيق ذلك الاستقرار.هناك مزايدة سياسية مصطنعة حول حب مصر، وللحقيقة فإننا أمام وضع ديمقراطي هش لم يتوفر فيه الوعي الكافي لقطاعات عريضة من الشعب المصري لاستيعاب المطلوبات الديمقراطية التي تكوّن مؤسسات الحكم وتمارس عبرها شغلا سياسيا ناضجا يحافظ على البلد ويمنحها الطاقة الدافعة الى المستقبلهناك مزايدة سياسية مصطنعة حول حب مصر، وللحقيقة فإننا أمام وضع ديمقراطي هش لم يتوفر فيه الوعي الكافي لقطاعات عريضة من الشعب المصري لاستيعاب المطلوبات الديمقراطية التي تكوّن مؤسسات الحكم وتمارس عبرها شغلا سياسيا ناضجا يحافظ على البلد ويمنحها الطاقة الدافعة الى المستقبل، ومن خلال المظاهرات المليونية والاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات التي لا تنتهي من الطبيعي أن تبقى الدولة على سطح صفيح ساخن يضيف كثيرا من المعاناة على أولئك الذين يعيشون في مستوى الفقر وتحت خط الفقر فيما الجميع يعلنون أن دوافعهم فيما يقومون به من أجل مصر.
السلطة السياسية أخطأت واعترفت بأخطائها، ولم تنجح كذلك في امتصاص التشكيك في عملها من أجل الوطن وإنما لصالح قطاعات معينة مؤيدة لها، ولكن المعارضة في نفس الوقت عملت على إرباك السلطة ورفض كل دعوة للحوار وعدم المشاركة في السلطة إمعانا في توريطها في الأخطاء وإظهارها كمستحوذة على مفاصل الدولة، هذا ما للأطراف وما عليها، وفي حالة عدم وجود أي حوار بين المكونات السياسية لا بد أن تحدث فجوة وفراغ في الدولة هو ما يعطل مسيرة التنمية وإنقاذ الفقراء الذين يزدادون وتطحنهم ماكينة العمل السياسي الذي يصفّي الحسابات. ذلك الاستقطاب الذي انتجته النخبة المصرية في ممارستها السياسية، جعل المصريين أحزابا تقاتل بعضها، ولذلك فإن مصيبة مصر الحقيقية في نخبتها التي لم تحسن التعاطي السليم مع فكرة حب مصر، فكان أنتشار العدائية في المجتمع ، وأصبح للبلطجية دور سياسي لصالح الأطراف التي تستخدمهم، بل إنهم دخلوا المعادلة السياسية فيما كان ينبغي وجودهم في المعادلة الأمنية التي تحمي المجتمع المصري من الفوضى وتهديد سلامة المواطنين. والاستخلاص المنطقي من مجريات الأحداث في مصر أن النخبة أعدمت استقرار مصر، وأن المصريين لم يستوعبوا أساسيات الديمقراطية، لأنه لا يتصور وجود استقرار ونموذج سياسي مصري رشيد في ظل قتل الأبرياء وحرق المنشآت وتعطيل القطارات، فهم في عهد النظام السابق وإن تمتعوا بالاستقرار إلا أنهم دفعوا ثمنا غاليا لذلك، في زيادة معدلات الفقر والاعتقالات التعسفية وانتهاك أي حقوق لهم في العمل السياسي، لم يكن لأحد أن يجرؤ على الكلام ناهيك عن التظاهر أو الاحتجاج، فليمنحوا مصر فرصة ديمقراطية عبر الوسائل الديمقراطية السلمية لتدوير السلطة على المستوى البرلماني والرئاسي والمنظمات المدنية، أو يتواصل تدوير العنف وانهيار مصر، ويبدأ كل مصري يسأل نفسه كما تساءل المخرج الأمريكي مايكل مور.. أين هي بلدي يا صاحبي؟!