تساؤل جوهرى بداية يقول السفير الدكتور عزمى خليفة الديبلوماسى والأكاديمى المصرى : ونحن نحتفل بمرور عامين على بداية الربيع العربى يثور تساؤل جوهرى هو ماذا تحقق من اهداف؟ فالمشكلات القديمة مثل الحكم الفردى واقصاء المعارضة وتهميش تيارات سياسية وتدهور مستويات المعيشة يعاد انتاجها بنخبة جديدة تنتمى للاسلام السياسى وبنفس الآليات القديمة التى تستند الى الشكلية , مما أدى الى الحديث عن ثورات ثانية فى بعض دول الربيع العربى, وحتى يمكن التعرف على مسار هذا الربيع يمكن بلورة الملاحظات التالية: أولا: أن درجة الوعي السياسي للمواطن العربي قد ارتفعت بفضل إتقانه استخدام تكنولوجيا المعلومات كوسيلة للتواصل مع الآخر عبر الحدود وما يطرحه ذلك من تحد لسيادة الدولة وتغيير المعادلة الحاكمة لعلاقتها بالمجتمع ,مما أدى الى تغيير في قيم وأفكار واتجاهات قطاع عريض من سكان منطقة الشرق الاوسط وبخاصة الشباب ، الذى استند إلى قيم وشعارات التعددية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحماية الكرامة الإنسانية ، ودعَّم هذه القيم العالمية اتجاه الدول العربية إلى تطبيق هذه الشعارات – ولو بصورة ظاهرية - تمشيا مع الضغوط الخارجية أو رغبة منها في تحسين صورتها الدولية ومثال ذلك إدخال مصر تعديلات دستورية لانتخاب رئيس الجمهورية عبر الاقتراع المباشر إضافة إلى تأسيس بعض دول الخليج مجالس للشورى واللجوء الى فكرة الحوافز المالية لاستيعاب هذه التغييرات. ثانيا: على الرغم من ارتفاع وعي المواطن العربي بمصيره إلا أنه فوجئ بتناقض الواقع العربي المكبل بفكرة "الحواجز مع الواقع العالمي القائم على "الحرية" ، فقد اهتمت الدول العربية ببناء حواجز بين الحدود العربية بدعوى التحكم في نشاط الجماعات الإرهابية وعمليات تهريب الأسلحة المرتبطة بها. ومثالها إقامة سياج كهربائي يفصل بين السعودية واليمن لمسافة 1500 كيلو متر لضبط الحدود بينهما والحد من نشاط الإرهابيين الذين ينطلقون من اليمن، وفي نفس ذلك الإطار ظهرت فكرة الحاجز الفولاذي بين مصر وقطاع غزة. وبالرغم من أن فكرة "الحواجز" ليست جديدة على الفكر السياسي العالمي، إلا أن الجديد هنا نقل الفكرة إلى الوعي العربي لتصبح "قناعة عربية" تستخدمها الحكومات العربية لمكافحة الإرهاب بغض النظر عن انعكاساتها على العلاقات العربية / العربية مما ساهم فى زيادة إدراك المواطن العربي أن الواقع العربي في تدهور مستمر. ثالثا: في هذا الإطار من ارتفاع وعي المواطن العربي، وإدراكه لحركة سير المجتمع العربي في عكس الاتجاه العالمي جاءت الثورات العربية وامتدت من تونس لمصر، ثم إلى ليبيا، واليمن وسوريا، ثم امتدت إرهاصاتها الى المغرب والأردن وبعض دول الخليج، وبدرجات مختلفة. رابعا: بالرغم من الطبيعة الشعبية للثورات في المنطقة العربية إلا أن النظرة المقارنة لما حدث توضح أن العنصر الحاكم فى تطور هذه الثورات بالدرجة الأولى يظل ممثلا في أسلوب تعامل النظم العربية معها وفى القلب منها الجيش : - ففي مصر وتونس انحازت المؤسسة العسكرية إلى جانب الثورة – لأسباب مختلفة – مما ساهم في الإسراع بتنحي الرئيس السابق مبارك وهروب الرئيس التونسي السابق بن علي إلى خارج البلاد. -في ليبيا وسوريا نجحت الحكومتان في استخدام القوات المسلحة ضد الثورة و فى الاستعانة بمساعدة من الخارج مما وضع الحكومتين في مأزق نتيجة استمرار الضغوط الداخلية ممثلة في الثورة من جانب، والضغوط الخارجية من جانب آخر ممثلة في العقوبات المفروضة من المجتمع العالمي على أركان النظام في الدولتين. - في اليمن ناور الرئيس صالح لانحياز القوات المسلحة إليه وابداء رغبته للتخلي عن السلطة في إطار انتخابات مبكرة، وفى طرح مجلس التعاون الخليجي مبادرته لحل الأزمة، ومع استمرار الضغوط الداخلية بالدرجة الأولى واستمرار دعم المجتمع الدولي للمطالب الشعبية فقد تنازل الرئيس اليمني عن السلطة. خامسا: العامل الثاني الذي يحدد مستقبل التحولات السياسية في ظل هذه الثورات هو مدى إدراك القيادات السياسية الجديدة لطبيعة هذه الثورات واهدافها، وقد ثبت أن ما تغير فى دول الربيع العربى القيادات فقط, اما النظم نفسها ، بمعنى العلاقة التي تحكم الحاكم بالمحكوم وتحكم المؤسسات السياسية وبعضها مازالت دون تغيير ، ولذا فقد تمت اعادة انتاج المشكلات القديمة فالنظم الجديدة تشهد خلافات حادة حول عدة موضوعات فى مقدمتها مدنية الدولة ودور المعارضة وسلطات الرئيس ومن ثم فإن مرور عامين على الثورات العربية ليس نهاية المطاف، وإنما بداية مرحلة جديدة للربيع العربى، تعكس الإيمان بالوطن كقيمة في حد ذاتها والإيمان بقيم المواطنة والكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة فالثورة تكمن في قدرة المواطن العربي على تغيير معادلة الحكم من أجل غد أفضل.حراك ولكن؟ويضيف الدكتور أحمد طاهر رئيس مركز الحوار للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة: فى لحظة ما قبل عامين، وقف العالم أجمع يشهد على حراك مجتمعى تعيشه البلدان العربية نحو ممارسة حقوقها الديمقراطية التى سلبت منها على مدى أكثر من نصف قرن منذ حصولها على الاستقلال. فما بين نظم ملكية وراثية ظلت تتحكم فى إرادات الشعوب، ونظم عسكرية ظلت تفرض سطوتها على مقاليد الامور بجحة الأمن والاستقرار ومخاطر التهديدات الخارجية. إلا انه فى لحظة كاشفة نجحت الشعوب العربية بارادة ابنائها من الشباب الذين امتلكوا الرأى والرؤية فى ضرورة إنهاء هذه المأساة السياسية التى لم تحقق رغم كثرة الادعاءات والبطولات ما تحلم به الشعوب العربية، ليأتى الشعار المرفوع بعد نصف قرن لم يختلف عن ذلك الشعار الذى كان مرفوعا فى وجه الاستعمار الاجنبى "الحرية" صحيح اضيف اليه شعاران آخران وهما "العيش والكرامة الانسانية" إلا ان شعار الحرية ظل هو المسيطر على روح الثورة وابنائها. ولكن، بعد مضى العامين اكتشف الثوار – الكلام للطاهر- أن الواقع لم يتغير، صحيح قد تغير رأس النظام ولكن أجهزته وأدواته بل وحتى سياساته لم تتغير. وصحيح أيضا تغيرت شكل عقيدة من تولى الحكم وإن اتحدت فى جوهرها، فقد تحولت من عقيدة استبدادية تأخذ النمط العسكرى، إلى عقيدة استبدادية تأخذ الدين شعارا لها. وكما قال الكواكبى فى طبائع الاستبداد: إن الاستبداد الدينى او الاستبداد باسم الدين هو اسوأ انواع الاستبداد لانه قائم على تغييب الواقع وفرض الغيبيات معتمدا على جهل التابعين والمريدين، وهو ما يتعارض مع جوهر الدين الصحيح الذى يرتكز على منطلقات عقلانية وافكار واقعية تمس حياة الافراد ومتطلباتهم. ويلفت الطاهر الى أنه فى ضوء تلك الوقائع المؤلمة التى عاشتها الشعوب العربية التى نجحت فى ازاحة رأس النظام، لم تتمكن من استكمال سعيها وهدفها فى إزاحة بقايا هذا النظام وسياساته، وهو ما يمكن تفسيره فى ضوء أمرين: الاول، أن الذين تولوا السلطة عقب ازاحة رأس النظام كانوا على شاكلته وتربوا فى مبادئه وتعلموا فى مدارسه وقرؤوا فى كتبه ومن ثم لم يختلف نمط تفكيرهم عن النمط الذي تربوا عليه. وترتب على ذلك انتهاجهم لسياسات النظم السابقة سواء فى تعاملها مع ملفات الحكم والقضايا المعيشية او فى تعاملها مع قوى المعارضة السياسية. الثانى، الطبيعة الانسانية الغالبة على الشعوب العربية بصفة عامة والمتمثلة فى الميل الى التدين بالفطرة والطبيعة بما يجعل من الخطاب الدينى الموجه الى مشاعرهم وقلوبهم أكثر تأثيرا من الخطاب الموجه الى عقولهم، فكان من السهولة بمكان عليهم ان ينخدعوا فى الشعارات الدينية التى رفعها اصحاب التيارات الموصومة بالاسلامية، ورغم انكشاف الفجوة بين تلك الشعارات المرفوعة والحقائق الموضوعة، لا زال فريق كبير من الرأى العام يؤيد موقفهم ويثق فى توجهاتهم دون ان ينظر الى مآلات المستقبل فى ظل حكومات لا تدرى اسس ادارة الدول ولا تعرف ضوابط الفعل وأحكامه بما ينذر بمزيد من التراجع وربما الدخول فى اتون حرب أهلية لا يعلم مداها الا الله. ويتابع الدكتور الطاهر قائلا: مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن الصراع الداخلى والانقسام الداخلى وإن كان يرتبط بسياسات ومناهج وافكار الاطراف الداخلية إلا أن العامل الخارجى يظل يمارس دورا فاعلا فى حرصه المستمر على إثارة القلاقل والاختلافات فى النسيج الوطنى من اجل ضمان تنفيذ مصالحه. واذا كان ما سبق يرتبط بالبلدان العربية التى نجحت فى ازاحة رأس نظامها الحاكم، فالامر يختلف فى حالة البلدان التى ما زالت تئن من سياسات وممارسات نظم الحكم التى تحولت الى نظم إرهابية تجاه شعوبها كما هو الحال فى نظام بشار الاسد الذى لم يتوان عن استخدام الاسلحة الثقيلة والمدفعية تجاه شعبه. وإن كان استمرار هذه الازمة التى راح ضحيتها اكثر من 60 الف قتيل خلافا للالاف من المصابين، يرجع الى تشرذم المعارضة وانقسامها، إلا انه يرجع فى المقام الاول إلى انقسام البلدان العربية بما فتح المجال واسعا امام القوى الدولية صاحبة المصلحة فى توظيف الملف السورى بما يتفق ومصالحها. جملة القول ان العامين الماضيين كشفا عن أزمة هيكلية تعيشها البلدان العربية فى كافة المجالات والقطاعات وفى إدارة الدولة سواء فى ادارة علاقات النظم الحاكمة بالقوى السياسية فى الداخل او فى علاقاته الخارجية، بما يستوجب إعادة النظر ليس فقط فى نمط السياسات المتعبة ونهجها بقدر اعادة النظر فى اسلوب الادارة وإلا لن تنجح هذه الثورات فى ان تخطو خطوة الى الامام، بل ربما يزداد تراجعها الى أنماط من الدول لم تعرفها المنطقة من قبل كالدول الفاشلة او الدول المنهارة، والتاريخ مليء بالتجارب والحاضر يقدم كل يوم نموذجا جديدا. الشارع العربي يحلم بربيع جديد: الانتهازيون سرقوا الثورة
بعد ثورات شعبية أطاحت بالعديد من الأنظمة فى المنطقة العربية كما هو الحال فى مصر وتونس وليبيا، ظهرت العديد من الإخفاقات والنجاحات لثورات الربيع العربي، (اليوم) استطلعت آراء العديد من المواطنين من تونس ومصر لمعرفة رأيهم بشأن الثورات العربية بعد مرور عامين من انطلاقها.. تكالب على المناصب من جانبها، تقول ريم ثابتي، المصورة التونسية، إنه بعد ثورة الياسمين هناك بضعة أشياء لم تتغير حتى الآن، وقالت: إنها شخصياً تم اعتقالها أثناء زيارتها للاحتفالات المقامة فى ضريح سيدى بولبابة الأنصارى بحضور بعض الأئمة ووالي قابس ووجوه حزبية معروفة بقابس، وتوجه لها رجل من الأمن ورفض أن تتصور بداعى أن لبسها غير لائق بالضريح ورفض أن يتركها تصور من بعيد لأن الأئمة انزعجوا من وجودها إلا أنها ذهبت للتصوير وتركته يتمتم بالكلام ولكنه جاء بعد لحظات ونزع غطاء رأسها وطرحها أرضاً وطردها أمام المجودين. وأضافت بعد الثورة كنت أتمنى أن نحصل على قدر عال من الحرية والديمقراطية، ولكنه بعد الثورة للأسف سيطر الإسلاميون على مقاليد الحكم بتونس وانشغلوا بأمورهم والتكالب على المناصب بدلاً من أهداف الثورة.الحكم والشارعمن جانبه، قال محمود الواقع، معد برامج مصرى، إن المشهد المصرى بعد عامين من الثورة أشبه بشعار "الإخوان في الحكم والثورة في الشارع "، مضيفاً أن الثورة الآن جعلت الفقراء يزدادون فقراً والأغنياء يزدادون غنى، ومازالت مصر تبحث عن التغيير. وأشار محمود أنه بمجرد اندلاع الثورة كان يأمل أن تتم محاكمات رموز النظام السابق والمتورطين فى أعمال العنف وموقعة الجمل إلا أنه حتى الآن الجميع أخذ براءة وهرب من هرب بأمواله ومازلنا نبحث عن التغيير. وأوضح محمود: إن المفارقة الآن أنه قبل الثورة كان يحكم مصر حزب واحد بعينه، والآن أصبحت تحكم مصر التيارات الإسلامية ومازالت مصر تبحث عن قروض من الدول الخليجية والبنك الدولي، وكل من يخالف الرأى يصبح كافرا برأيهم، والقوانين الجديدة تتجه إلى تضييق الخناق على حرية الرأي، وتعجب محمود من تصرف رئيس مجلس الشورى من الفيلم المصرى الذى تم عرضه فى الطائرة المصرية، مضيفاً "الثورة الآن قسمت الشعب المصرى إلى تيارات إسلامية ومعارضين".الظلم والاستبدادمن جانبها، قالت بسمة الحسومي، الطالبة التونسية بماجستير العلوم الثقافية، إن الثورة التونسية جاءت بعد سنوات كثيرة من الظلم والاستبداد التى عاشها الشعب حتى تتحقق مطالب أساسية تتعلق بتوفير العيش الكريم والكرامة والحرية والعدالة. مضيفة أنها لا تستطيع أن تنكر التحول الذى عاشه الشارع التونسي والساحة الإعلامية التى لم تعد بيد اللون البنفسجي وأصبح للجميع الحرية فى التعبير عن آرائهم و مشاغلهم بموضوعية غير مشروطة. موضحة أن تونس الآن أصبحت تشهد صراعاً بين الأحزاب وخاصة الانتقادات التعسفية للأحزاب الحاكمة وبالخصوص حركة النهضة وهذا من شأنه أن يعطل من مردوديتها. وأشارت بسمة أنه ليس من السهل إصلاح إرث النظام القديم فى سنة أو سنتين، فلا بد من إتاحة وقت حتى تتبلور أهداف الثورة على أرض الواقع وسرعة إصدار دستور للبلاد والذى تأخر المجلس الوطنى فى إصداره قائلة "لا بد من منهجية كاملة حتى نرى شعباً تونسياً حراً يشتغل ويشعر بالأمان فى وطنه" مضيفة أن الحرية لا يفهمها الكثير من التونسيين اذ كثر العنف كالاعتداء على رؤساء الاحزاب مثل الاعتداء على رئيس حزب نداء تونس الباجي قايد السبسي و الاعتداء على اضرحة الاولياء الصالحين و هذا ما يخلق عديد الاستفهامات في الساحة السياسية.تعطيل البلادمن جانبها، أوضحت نجلاء صلاح، إنه بفضل الثورة أصبح هناك قدر عال من الحرية والديمقراطية، واصبح هناك انتخابات ديمقراطية، ولكن من إخفافتها أن الفلول مازال لهم أماكن داخل البلاد ويعملون تجمعات وأحزاب من أجل تعطيل البلاد ومناهضة الاستقرار. وتابعت نجلاء: للأسف بعد الثورة أصبح هناك ترسخ مفهوم خاطئ للحرية وأصبح البعض يتطاول بأساليب خاطئة. بينما يرى أحمد فوزى، مصمم جرافيك مصرى، أن الوضع الذى تمر به البلاد أصبح صعبا، وكثير من أحداث عنف بعد عامين من الثورة راح ضحيتها المزيد من الضحايا، قائلاً "الحزب الحاكم فى مصر سيطر على كل المناصب ومجلسي الشعب والشورى ومرر الاستفتاء وكأن الثورة لم تقم. وطالب أحمد بتحقيق أهداف الثورة التى سقط من أجلها الشهداء، وشارك فيها كل قطاعات المجتمع المصري وطوائفه مستنكراً محاولات الإخوان والمتأسلمين للسيطرة والاستحواذ عليها. مكّنت التيار الإسلامي من السلطة وفشلت في انتشال المجتمعات
اتفق علماء دين على أن ثورات الربيع العربى لم تأت بخير، بالرغم من أنها أتاحت الفرصة لتمكين التيار الاسلامى من مقاليد الأمور فى تلك البلاد. وانتقدوا استمرار حالة الفوضى والاضطراب السياسى، انتجتها تلك الثورات، مؤكدين أن بعض القوى السياسية المعادية للتيارات الاسلامية تسعى جاهدة لتهميش الاسلاميين وإزاحتهم وإقصائهم من الساحة السياسية. بداية يقول الداعية الاسلامى الشيخ يوسف البدرى عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة ل»اليوم»: أنا أكره هذه الثورة لأنها لم تأت بخير رغم أنها أتاحت الفرصة لتمكين التيار الإسلامى من مقاليد الأمور فى تلك البلاد ، وفى الوقت ذاته نجد أن التيار الإسلامى يسعى لتحقيق مصالح الوطن وتنميته وازدهاره وإقرار الحريات وألا تمارس أى نوع من الإقصاء أو مصادرة حق الإسلاميين فى المشاركة السياسية والوجود الذى تفرضه موازين القوى والإرادة الشعبية إلا أن محاولات الإقصاء والتهميش وإثارة الفوضى أو ما يعرف بالثورة المضادة التى يقودها الليبيراليون والعلمانيون والمتطلعون للسلطة جعلت الثورة لم تأت أكلها ولم تجن الشعوب التى عانت من القمع والاستبداد والظلم ثمارها بل إنها تعانى الإحباط والخوف.تدهور الاقتصاد وأضاف: إن ما يجرى اليوم فى بلدان الربيع العربى من فوضى وعدم استقرار وتدهور فى الاقتصاد إنما هو تخطيط غربى وصهيونى تنفذه القوى الليبرالية لإفشال التجربة الاسلامية وجرها الى ممارسة العنف بدلاً من تركها أن تتفرغ للبناء والتنمية. ويرى الشيخ البدرى أن الربيع العربي مثلما أنه ربيع للشعوب فهو خريف عربي لحكام تلك الشعوب الذين بدأوا يتساقطون الواحد تلو الآخر، مثلما تتساقط أوراق الخريف. واختتم الشيخ البدرى حديثه قائلا: ان هناك كثيرا من الآثار السلبية التى تركتها الثورة المضادة ، مثل تدهور الاقتصاد وهروب الاستثمارات وتراجع السياحة بسبب انتشار الفوضى والظروف الأمنية المضطربة.إن ما يجرى اليوم فى بلدان الربيع العربى من فوضى وعدم استقرار وتدهور فى الاقتصاد إنما هو تخطيط غربى وصهيونى تنفذه القوى الليبرالية لإفشال التجربة الاسلامية وجرها الى ممارسة العنف بدلاً من تركها أن تتفرغ للبناء والتنمية. خوف وإحباطأما الدكتور محمد الدسوقى عضو المجلس الأعلى للشئون الاسلامية بالقاهرة وأستاذ الشريعة الاسلامية فى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، يرى أن هذه الأحداث والثورات التي عرفتها بعض الدول العربية جاءت دون تخطيط مسبق لها من الخارج، وإنما هي تنفس المكبوت وثورة المظلوم على الظالمين، معرباً عن قلقه من أن تجهض هذه الثورات نفسها لعدم امتلاكها وسائل البقاء. وأضاف: إن دول الربيع العربي عاشت ولعقود طويلة من الزمن ظلماً وقمعاً وفساداً شمل الكثير من جوانب الحياة الفكرية و الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والنفسية والدينية ، مما أدى إلى انهيار وشرخ كبير في البنية التحتية لمكونات تلك الدول ، وولد يأساً تبعه تخلف كبير لدى شعوبها ، أدى في النهاية إلى وقوع التسونامي الكبير الذي شهدته تلك الدول ، وكانت على رأسها ثورة الشعب المصرى التونسي والليبى ، ولم يزل بعضها مثل سوريا يعاني من ولادة عسيرة ملطخة بالدماء والتضحيات ، وخلفت دماراً رهيباً في معظم جوانب الحياة تعجز الأقلام والأفلام عن وصفه. وأضاف الشعوب في دول الربيع العربي ثارت على أوضاع بائسة ، ثارت كي تبحث عن العدل والكرامة الإنسانية و الحرية والأمن الذي كفلته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، بدءاً بالضروريات الملحة وانتهاء برفاهية الإنسان الذي يستطيع أن يبدعها إذا توافرت لديه هذه الضروريات الأساسية الهامة، لكننا وجدنا فى الكثير من هذه الدول بل فيها كلها ، يعيش المواطن حالة من الخوف والإحباط.صراع على السلطةأما الدكتور أحمد سليمان الداعية الإسلامى والمدير التنفيذى لرابطة الجامعات الإسلامية، يقول: إنه في ظل هذه الأحداث التي عصفت بدول الوطن العربي، وما درج على تسميته بالربيع العربي ، فإن هذه الدول تواجه تحديات كثيرة، تختلف هذه التحديات من دولة لأخرى ، ولكنها كلها مشتركة في نوع هام من التحديات التي تواجه دول الربيع العربي في المرحلة الراهنة ومن أهمها انتشار الفوضى الخلاقة .وأضاف:إن ظهور الإسلاميين على السطح في دول الربيع العربي كانت له آثار كبيرة ففي مصر مثلاً نجد أن الإسلاميين يحرزون أكثر الأصوات في الانتخابات وهو الشيء الذي كان مفقوداً في الماضي، لكننا نجد فى الوقت نفسه قوى مضادة تريد إقصاءهم عن الساحة مما أدى إلى وجود كثير من الصراعات الدائرة حالياً بين التيار الإسلامى وغيره من التيارات والقوى السياسية الأخرى على السلطة، وهذا مما أدى لتعطيل مسيرة الديمقراطية وبناء المؤسسات فى هذه الدول. وأضاف أن وصول الإسلاميين إلى الحكم بعد عملهم الجاد وحملاتهم الانتخابية وما تحملوه من بطش في السابق من حقهم أن يحكموا ولكن لابد من تحقيق طلبات من انتخبوهم وهو ما يعد امتحان لهم ومدى قدرة صمودهم أمام التحدى الداخلي والخارجي. ويرى الدكتور أحمد سليمان أن الأحداث التى تشهدها معظم دول الربيع العربى وإن لم يخطط لها أعداء الإسلام من الخارج إلا أنهم بذلوا ما فى وسعهم لاستثمارها وركبوا موجتها ساعين إلى ألا يقطف الثمرة من يسمونهم الإسلاميين الأصوليين وأن يحولوا بينهم وبين استثمار هذه الفرص والفوز بها، فسعوا جاهدين لدعم التيار الليبرالي ومن يسمونهم المعتدلين في قطف ثمرة هذه الثورات والتي بها يضمن الغرب وأمريكا بقاء الولاء لهم وبقاء هذه الأنظمة الجديدة تدور في الفلك الأمريكي لكن بصورة غير ظاهرة وغير استفزازية كما كانت في الأنظمة السابقة، وهذا بدوره يزيد من حدة الصراع بين الاسلاميين والليبراليين، على السلطة ، وبالتالى فإن هذه الثورات تحولت عن هدفها الأساسى إلى اتجاه آخر لا يقل تأثيره على حياة الشعب عن الحال الذى كانت تعيشه الشعوب فى ظل الأنظمة التى ثارت عليها وصممت علىالإطاحة بها.