غابت الشفافية وانتشر الفساد.. من المسئول؟بات الفساد واحدا من المعضلات الكبرى التى تواجه العالم العربى مما أسهم فى إبقاء معظم بلاده فى حالة تشابك مع فقر التنمية وغياب النمو الحقيقى لأنه ببساطة يلتهم عائدات الاقتصاديات الوطنية لصالح نفر من المتحكمين النافذين والمتورطين فيه سواء فى هياكل الدولة ومؤسساتها أو على مستوى الأفراد الذين أضحوا يقتدون بالنخب السياسية والتنفيذية. ولكن ما هو الفساد؟ وكيف ظهر على هذا النحو فى العالم العربى الى الحد الذى أصبح ظاهرة مرضية؟ وكيف يمكن تقليص حضوره باتجاه بناء منظومة من الشفافية وهو المطلب الذى يتصدر الخطاب السياسى والاقتصادى والاجتماعى خاصة مع صعود ثورات الربيع العربى فى عدد من البلدان العربية ؟لا تعريف موحدفى البداية يقول المستشار الدكتور محمد صلاح أبو رجب الخبير في القانون الجنائي الدولي لـ"اليوم" : على الرغم من أن الفساد ظاهرة تاريخية وموجودة في كل المجتمعات – بشكل متفاوت – إلا أنه لا يوجد تعريف موحد له خاصة في ظل عدم وجود خطوط واضحة وموحدة بسبب تباين العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية من مجتمع إلى آخر , وعموما – كما يضيف - يعرف الفساد اصطلاحا بأنه سلوك غير سوى ينطوي على قيام الشخص باستغلال مركزه وسلطته في مخالفة القوانين واللوائح والتعليمات بتحقيق منفعة لنفسه أو لذويه من الأقارب والأصدقاء والمعارف على حساب المصلحة العامة. ووفقا لرؤيته فإن خطورة الفساد تتمثل في الإضرار بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع وينتشر الفساد بشكل كبير في الدول العربية وترجع أسبابه إلي ما يلي: أولا : الأسباب الاقتصادية: وتتمثل في سوء الوضع الاقتصادي لبعض الذين يمتلكون السلطة العامة، فضلا عن تدخل الحكومة في الأنشطة الأقتصادية ذلك لأن الأفراد يميلون إلي منح الرشاوى للمسئولين لتخطي القواعد والنظم والإجراءات العامة، كما يخفق المسئولون أحيانا في رفض تلك الرشاوى.أن غياب منظومة القيم فى العقود الأخيرة مع سوء الإدارة والافتقار الى التشريعات الصارمة جعل البعض - خاصة من العاملين فى الأجهزة والمؤسسات الحكومية - يخضع الأمور لتقديراته الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة الأولى بالرعاية فباتوا لا يفرقون بين الحلال والحرام ويقبلون الرشاوى باعتبارها هدايا وبالذات فى مجال منح التراخيص القانونية.ثانيا : الأسباب السياسية والإدارية: وتتمثل في غياب القيادة السياسية "القدوة" وضعف الإرادة السياسية لمكافحة الفساد، خاصة لدى السلطة التنفيذية، فضلا عن غياب الشفافية وعدم السماح للمواطنين ولوسائل الإعلام الوصول للمعلومات والسجلات العامة، بالإضافة إلى وجود صلاحيات وسلطات للموظفين وللأجهزة التي يعملون بها لا تستند إلى معايير وضوابط موضوعية. ثالثا : الأسباب الثقافية والاجتماعية: وتتمثل في تأثير العلاقات الشخصية في الحياة الاجتماعية (المحاباة والمحسوبية)، وإحساس الأقليات القبائلية والعرقية بالظلم، وانخفاض مستوى الوعي لدي المواطنين ومستوي معرفتهم بأشكال الفساد وأساليب مكافحته، والخلل في المنظومة الأخلاقية والقيمية للأفراد خصوصا بعد الثورات التي حدثت في عدد من الدول العربية والتي تحول فيها مفهوم الحرية إلى مفهوم الفوضي، وضعف أداء أجهزة الإعلام بمختلف صورها. رابعا : الأسباب التشريعية: وتتمثل في التضخم وعدم الاستقرار التشريعي وعدم فعالية التشريعات اللازمة لضمان الشفافية والحكم السليم. فضلاً عن سوء صياغة القوانين واللوائح المنظمة للعمل الأمر الذي يعطي للموظف فرصة للتهرب من تنفيذ القانون أو الذهاب إلى تغييره بطريقته الخاصة التي قد تتعارض مع مصالح المواطنين. ويلفت المستشار الدكتور رجب الى أنه نظرا لتحول الفساد الى آفة عالمية، فإن مكافحته ليست مسئولية كبار الموظفين الحكوميين وحدهم، بل هي مسئولية جمع فئات وقطاعات المجتمع المختلفة، وتتمثل آليات مواجهته فيما يلي: أولاً: تبني الحوكمة الصالحة: وتتمثل أبعاد الحكم الصالح في حكم وسيادة القانون والشفافية والاستجابة والمشاركة والإنصاف والفاعلية والكفاءة والمساءلة والرؤية الاستراتيجية. ثانياً: تفعيل مبدأ المسئولية: حيث إنه يعد أحد أهم الأركان الرئيسية لقيام حكم رشيد وصالح، بعيدا عن الفساد والمحسوبية بحيث يمكن مساءلة كل من أخطأ مهما كان منصبه. ثالثاً: الشفافية: وهي تعني الوضوح التام في اتخاذ القرارات ورسم الخطط والسياسات وعرضها على الجهات المعنية بمراقبة أداء الحكومة نيابة عن الشعب وخضوع الممارسات الإدارية والسياسية للمحاسبة والمراقبة المستمرة. وتعد الشفافية إحدى السبل الكفيلة بالقضاء على الفساد والحفاظ على المال العام، بحسبانها آلية ناجحة من الآليات التي اعتمدتها جميع الإدارات الحديثة في النظم الديمقراطية للحد من هذه الآفة التي تضرب بشكل خاص القطاع العام مبينا فى الوقت ذاته أن الشفافية والفساد مفهومان يقعان على طرفي نقيض فكلما اتسعت دائرة الشفافية ضاقت دائرة الفساد. ولهذا يعتبر انعدام الشفافية انتشارا واستفحالا للفساد ومحاولة صريحة وواضحة للتغطية عليه وتمريره، فالتعامل غير الشفاف يخفي وراءه كل ما يمكن أن يضر بالمصلحة العامة والخاصة ويشوه صورة الوظيفة العامة والعمل العام. وبواسطة الشفافية يمكننا تحديد بؤر الفساد وحصرها، وبالتالي معالجتها وتسمية الفاعلين فيها فتصبح الشفافية احدى أدوات أو وسائل الوقاية من الفساد حيث يقوم من لم يكشف أمر فساده عند سماع غيره إلى معالجة أخطائه قبل أن تظهر على الآخرين. ولهذا، فلابد من إرساء مبدأ الشفافية في جميع التعاملات وجعلها واقعاً حياً ومعاشاً والسعي إلى إرساء هذا المبدأ يعتبر واجباً وطنياً يجب السعي إليه بكل مصداقية، ويجب على الحكومات العربية أن ترسي هذا المبدأ عن طريق إصدار التشريعات اللازمة. رابعاً: تحديث وتفعيل النظم والقوانين، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية في ملاحقة جرائم الفساد. خامساً: تعزيز وتنمية وعى أبناء المجتمع بأضرار الفساد، وكيفية محاربته من خلال مختلف قنوات الاتصال، والتفاعل مع الجمهور، ومؤسسات التعليم والإعلام، والمؤسسات الثقافية والدينية من خلال نشر وتبنى القيم الأخلاقية فى المجتمع وإبراز القدوات فى كل مجال، وزيادة الشعور بالانتماء للوطن. سادساً: تفعيل دور الأجهزة القضائية فى ممارسة دورها الأساسى فى كشف حالات الفساد فى مختلف أجهزة الدولة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة إزاءها وعدم التدخل أو التأثير فى مهامها من قبل الأجهزة الحكومية الأخرى، واتخاذ الإجراءات العقابية الرادعة لكل من ثبت تورطه فى قضايا الفساد الإدارى ونهب المال العام مهما كانت شخصيته ومركزه الوظيفى أو الاجتماعى. سابعاً: إصلاح الجهاز الإداري من خلال إصلاح هياكل الأجور والرواتب، وزيادة التنافس بين مقدمي الخدمات والحد من الاتصال المباشر بين طالب الخدمة ومقدمها، والأخذ بسياسية التدوير الوظيفي، ووضع مواثيق أخلاقية وسلوكية في المنظمات العامة. وفي حديثه يرى المستشار الدكتور رجب أن الشروع فى تطبيق كل ما سبق بفاعلية يعنى بداية العد التنازلى لتلاشى الفساد والمفسدين من كل مؤسسات الدول العربية، وبداية التوجه الصحيح نحو أداء متميز فى هذه المؤسسات يواكب تطورات العصر ويحقق التقدم المنشود لمجتمعنا العربي.انتشار غير لائقويشير الدكتور حمدى عبدالعظيم الخبير الاقتصادى المصرى ورئيس أكاديمية السادات الأسبق فى حديثه لـ «اليوم» الى أن الفساد بات بالفعل منتشرا فى الأجهزة الحكومية بالعديد من الدول العربية خاصة على صعيد الخدمات التى تقدم للمواطنين وهو ما يتجلى فى تصاعد حالات الرشاوى والمحسوبية فضلا عن حالات التربح سواء فى العمل الحكومى أو العمل السياسى بالنسبة للشخصيات العامة من قبيل حصولها على عمولات بنسب محددة فى صفقات سلاح أو صفقات مالية أو تجارية أو مشروعات استثمارية. ولكن الأخطر فى هذا الشأن – الكلام للدكتور عبدالعظيم – يتمثل فى قيام الشركات العالمية متعددة الجنسيات بدفع رشاوى وعمولات لبعض كبار المسئولين العرب النافذين فى دولهم للفوز بصفقات معينة أو الحصول على عطاءات بعينها من خلال التسابق على عمليات اختراق للجان الحكومية المسئولة عن منح الموافقات على هذه العطاءات وهو ما أسهم فى خلخلة هذا الجانب وخلق طبقة مستفيدة من هذه الاختراقات الأمر الذى فاقم من ظاهرة الفساد فى المنطقة العربية. ويرى عبدالعظيم أن غياب منظومة القيم فى العقود الأخيرة مع سوء الإدارة والافتقار الى التشريعات الصارمة جعل البعض - خاصة من العاملين فى الأجهزة والمؤسسات الحكومية - يخضع الأمور لتقديراته الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة الأولى بالرعاية فباتوا لا يفرقون بين الحلال والحرام ويقبلون الرشاوى باعتبارها هدايا وبالذات فى مجال منح التراخيص القانونية سواء فى المعاملات الداخلية أو الخارجية فتخلق الفساد المالى والإدارى الذى أعقبه الفساد السياسى وأضحى الأمر أقرب الى الظاهرة الطبيعية والعادية المقبولة من الجميع حكاما ومحكومين.فساد الـ «سداح مداح»وسألت الخبير الاقتصادى الدكتور حمدى عبدالعظيم عن تقييمه لدور تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادى على نحو غير منضبط وآليات السوق والخصصة فى العقود الأخيرة فى تعميق ظاهرة الفساد فى العالم العربى فأقر بالدور الكبير لهذه العوامل خاصة مع بدء تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى فى مصر على سبيل المثال فى سبعينيات القرن الفائت والذى وصف بأنه انفتاح السداح مداح على حد تعبير الكاتب المصرى الكبير الراحل أحمد بهاء الدين وأعقب ذلك تحولات هائلة ناتجة عن الرغبة فى الاندماج فى الاقتصاد العالمى بطريقة غير صحيحة وتطبيق سياسات الخصصة وبيع أصول القطاع العام بأسعار أقل من الحقيقة لتحقيق مصالح شخصيات نافذة فى السلطة وبيع الديون مقابل الأصول المملوكة للدول مثل حالة جمال مبارك والذى قام ببيع ديون بلاده للدول الدائنة فى عملية مريبة حقق من ورائها المليارات. ـ ولكن ألم تفض ثورات الربيع العربى الى الحد من ظاهرة الفساد فى المنطقة ؟ يعلق الدكتور حمدى بقوله : على الرغم من اندلاع هذه الثورات فإن ظاهرة الفساد ما زالت مستشرية لأن البنية الاقتصادية والاجتماعية فى دول الربيع العربى لم تتغير والنظم ومنظومة القيم الاجتماعية لم يطرأ عليها أى تعديل بل تفاقمت الأمور من فرط استمرار الانفلات الأمنى وغياب هيبة الدولة والافتقار الى الرشد أو النضج السياسى وأصبح الجميع مشغولا بالخلافات السياسية دون الإقدام على تغييرات جوهرية فى الواقع المعاش. ويشدد الدكتور عبدالعظيم فى إطار تصوره للحد من ظاهرة الفساد على ضررورة إعادة صياغة التشريعات الرامية الى مكافحة الفساد وإشاعة الشفافية كقيمة فى الواقع العربى بحيث تكون محددة وواضحة وقاطعة ولا توفر فرصة للتأويل والتفسير الخاطئ حسب الأهواء ويدعو فى الآن ذاته الى أهمية استقلال الأجهزة الرقابية عن السلطة التنفيذية بحيث تؤدى مهامها وتمارس نشاطاتها بمنأى عن أى قرار أو توجيه سياسى من النخبة الحاكمة والأهم وفق منظوره هو السعى بقوة الى تعميق منظومة القيم وتفعيل أداء مفردات المجتمع المدنى من خلال قيام المراكز البحثية المتخصصة فى البلدان العربية بدراسات سياسية واجتماعية تصب فى هذا المنحى فضلا عن قيام وسائط الإعلام المتعددة والمنابر الدينية سواء فى المسجد والكنيسة الى جانب المناهج الدراسية بمراحل التعليم المختلفة بلعب دور فعال فى توسيع كراهية الفساد والتحفيز على ممارسة الشفافية وفق محددات منظومة القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية المتعارف عليها فى المجتمعات.
إذا ظهر الفساد فى أرض.. فأقم عليها مأتما وعويلاللفساد أوجهه المتعددة فهناك الفساد السياسي الذي قد يتفشى في المرافق العليا، وهناك الفساد الإداري الذي قد يتفشى في المؤسسات والإدارات العامة لكن مما لاشك فيه أن أسوأ أشكال الفساد هو الفساد الأخلاقي.وقد يكون بالإمكان إصلاح الفساد الذي تفشى في الأجهزة الحكومية بأن يتم إجراء التعديلات في الأنظمة والدساتير, وقد يكون بالإمكان إصلاح الفساد في الإدارات العامة بإجراء التغيرات، وبمساءلة ومعاقبة وبإبعاد عناصر الفساد, لكن ليس من السهل جدًّا إصلاح الفساد الأخلاقي رغم أنه الفساد الأخطر الذي من شأنه أن يُقوض المجتمعات وهو الفساد الذي يصيب النفوس والذي يتغلغل فيها أشبه بمرض عُضال قد يصعب على أمهر الأطباء معالجته والقضاء عليه. كيف ومن أين يبدأ الفساد الأخلاقي؟ ..يبدأ مثل هذا الفساد عادة عندما يقدم الشخص على ارتكاب كل ما يخالف الفضائل والمبادئ الدينية، والتقاليد والأخلاقيات وحتى القوانين...وفى إطار هذا الموضوع ما هي أنواع الفساد وخطورتها على المجتمع العربى؟ .وفيما يلي التحقيق التالي:تحديات خطيرةفى البداية يقول المفكرالإسلامى الدكتور حسن عباس زكى : عضو مجمع البحوث ووزير الاقتصاد الأسبق :إن مستقبل التنمية الصناعية فى العالم العربى يواجه تحديات خطيرة بسبب العولمة والجات .وأن معالم الإيمان يكاد بنعدم ويتلاشى فى العصر الحاضر فالصلة بين الله والعالم تكاد تنقشع بالرغم من بساطة مفهوم رسالة الإسلام التى تنحصر فى الاستسلام والانقياد لله عز وجل هذه الدعوة التى تقوم على التوحيد .فالمسلم يتكلم باسم الله ويتحرك باسم الله ويعمل باسم الله فإذا كانت الحياة كلها باسم الله فلا مجال إذن للنفاق أو الكذب أو الغش . والحضارة الغربية فى واقع الأمر حضارة مادية خاوية من أى محتوى روحى أو معنوى وهى تفرض على الدول بالقوة العسكرية حينا والتجارية والاقتصادية حينا آخر أو بالمشاركة الدولية فى إنشاء مؤسسات دولية تشرع النظم التى تكفل للدول الأوروبية والأمريكية فرض سيطرتها الاقتصادية عليها. ومن أقوى العوامل الآن قوة المعلومات والإنترنت بما تشتمل عليه من قنوات فضائية ضخمة ووكالات إخبارية ترصد دبة النملة، وصحف عابرة للقارات وتشمل أيضا العديد من الاتفاقيات الدولية التى قننت تسهيل مهمة الهيمنة الغربية على بقية شعوب العالم مثل الجات والحد من الأسلحة النووية والبيولوجية وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى للتعمير. ولقد ظهر الفساد بكافة صوره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية ولم تظهر الفاحشة فى قوم حتى يعلنوا بها ، إلاّ فشت فيهم الأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلاّ أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلاّ منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا .ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله ، إلاّ سُلّط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما فى أيديهم.سببان للفسادوقال زين العابدين المخزومي، أستاذ الفقه وأصوله بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، إن جميع أنواع الفساد ترتبط بسببين، الأول: ضعف الوازع الديني. والثاني: ضعف ملكة الضمير لدى الإنسان.فالدين يعصم الإنسان من الزلل، والضمير فطرة مركوزة خلقها الله في البشر تدفعه إلى ارتكاب السيئات.لذلك يجب علاج الفساد من جانبين: جانب ذاتي، وجانب مجتمعي.والجانب الذاتي يجب أن يقوم الفرد به بنفسه، أما الاجتماعي فالحكومات والهيئات الأهلية والناصحون.المال الحرامأما الشيخ منصور الرفاعى عبيد وكيل أول وزارة الأوقاف الأسبق فيؤكد أنه إذا ظهر الفساد فى أى أمة فأقم عليها مأتماً وعويلاً، وأوضح أن مظاهر الفساد تتجلى فى أولا: التسيب وعدم الانضباط وبالتالى يكون الانصراف عن العمل والإهمال فى الإنتاج والكسل فى الأداء . ثانيا: يشيع من وراء ذلك الرشوة .والرشوة دائما تحطم الكيان الاجتماعى نتيجة المال الحرام الذى يتقاضاه أصحاب النفوس الضعيفة وهنا يظهرالأمراض والعلل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به). ثالثا:انهيار الأسر لغياب المشرفين عليها فى الميادين وأماكن التجمعات والبحث عن أى خلل ليحصلوا من ورائه على مال ومن هنا يكون الانحطاط الخلقى .وهدم القيم الاجتماعية وبذلك ينتشر الفزع والرعب لقيام بعض الأفراد للتصدى للبعض الآخر .ويكون نتيجة ذلك الجرائم والفوضى.ظالمون طاغونمن جهته، يرى الدكتور حسين شحاته أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر :أن الفساد الاقتصادى معناه ضياع الحقوق والمصالح بسبب مخالفة ما أمر به الله ورسوله وأجمع عليه الفقهاء ، أى الاعتداء على حقوق الأفراد والمجتمعات وعدم الالتزام بما أمرنا الله به ورسوله ، ويترتب عليه الهلاك والضياع. ولقد ظهر الفساد بكافة صوره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية ولم تظهر الفاحشة فى قوم حتى يعلنوا بها ، إلاّ فشت فيهم الأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلاّ أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلاّ منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا .ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله ، إلاّ سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما فى أيديهم.تحريم شرعيوأضاف أن الشريعة الإسلامية، حرمت كل صور الفساد بأدلة من الكتاب والسنة ، ولقد تناولها الفقهاء بالتفصيل وبيان العلل من تحريمها ومن تلك العلل أنها تؤدى إلى ضياع الحقوق وهلاك المال والأعيان والموارد وكل هذا يقود إلى التخلف والفقر والحياة الضنك. ويستنبط من مظاهر الفساد وصورة المعاصرة أنه ينجم بصفة أساسية بسبب عدم تطبيق ما أمر الله به ، وعدم الانتهاء عما نهى الله عنه ، أى عدم الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية بصفة عامة ، وفى مجال المعاملات الاقتصادية بصفة خاصة.الشباب العربىمن جانبه، يعتبر اللواء دكتور بهاء الدين إبراهيم مساعد أول وزير الداخلية المصري الأسبق، أن شبابنا يمرون بظروف صعبة ولكن نستطيع بالسياسات الإعلامية والتربوية الرشيدة غرس القيم الخلقية العظيمة وفي مقدمتها قيم النزاهة والشفافية لمواجهة أي فساد . ووضع برامج تربوية وإعلامية لدعم السلوك الإيجابي مبيناً أهمية دور المدارس و مراكز الشباب و دور العبادة لتحصين الشباب مطالباً بالوصول إلى ميثاق شرف لأخلاقيات الشباب العربي . وأن القيم هى التي تحكم سلوك الإنسان بشكل عام لكن البشر لا يولدون بأخلاقهم إنما هم يكتسبونها من البيئة المحيطة بهم. وطالب بتضافر جهود مؤسسات المجتمع المدني لإرشاد الشباب وتوجيههم، موضحا أن الأخلاق هي صمام الأمان لأي مجتمع وهي التي تضمن الترابط المجتمعي وتحفظه وتقويه، مشيراً إلى وجود تأثيرات سلبية للعولمة إلى جانب وسائل الإعلام فى العصر الحديث ووجود أعباء وضغوط اجتماعية أخرى.
ورث فاتورة فساد بالمليارات .. ووقع في جدلية التغيير التي تزداد تعقيداارتبط مصطلح الفساد بكثير من الدول العربية التي مازالت تسعى لملاحقته حتى الآن ، وفيما قدرت المنظمة العربية لمكافحة الفساد أن حجم الأموال التي نهبت وسرقت وبددت في العالم العربي خلال الخمسين عاما الماضية بأكثر من ألف مليار دولار. تحول المواطن بعد ثورات الربيع العربي إلى مرصد اجتماعي لتنمية بلاده التى أصبحت لا تحتمل المزيد من الفساد .. (اليوم) استطلعت آراء الشارع العربي حول الفساد وطرق معالجته..غرائب الفسادمن جانبه، أشار كرم منصور، محرر مصرى، الى أن ثورة 25 يناير كشفت المزيد من صفقات الفساد داخل مصر، ولكن المفارقة ان المواطن المصرى بعد الثورة أصبح يتعقب الفساد واكثر إلماماً بالحياة السياسية. مضيفاً أن معالجة الفساد يجب ان تكون من رأس السلطة الحاكمة وصولاً للمواطنين، فعندما يكون الحاكم صالحاً سيكون قدوة وخير مثال للمواطنين. وتابع كرم حديثه : رغم قيام منظمة الشفافية العالمية بحصر مجالات الفساد الاقتصادى فى نحو 10 مجالات الا انها وصلت إلى 16 مجالا فى العقارات والتأمينات وشركات الاتصالات وغيره فى عهد مبارك، وهو ما انعكس على اسلوب المواطن ذاته وتصرفاته. وفي ذات السياق، أشارت سناء المروكية ، طالبة الطب المغربية، الى أن الفساد فى الوطن العربي يعتبر من أهم الأسباب التى تحول دون تقدم أي دولة داخله، أو تمكنها من تطوير مواطنيها وبالتالي منافسة باقي البلدان الغربية اقتصاديا وسياسيا وفنيا وثقافياً .. إلخ .. واوضحت سناء، أن الفساد الذي ينخر كل مؤسسات البلدان العربية والذي يؤدي للاستيلاء على مال الغير والمال العام بدون وجه حق، لن يقضى عليه أو يحد منه إلا عبر تضافر جهود أجهزة الدولة مع المجتمع المدني ومشاركة فعالة للمواطنين. الشيء الذي لن يتأتى إلا بعد المعرفة الدقيقة لأسباب الفساد والظروف التي تؤدي لانتشاره. ومن جانبها، قالت آية مواس، طالبة الطب الجزائرية، ان الفساد فى بلادها منتشر بشكل كبير، مضيفة "المعوق الأكبر ان الناس تٌغمض أعينها عن الفساد وتحاول ان تمثل أنها لا ترى". وأشارت آية الى أن الدليل على ارتفاع نسبة الفساد، هو انتشار البطالة، وسوء توزيع العدالة القومية، والفقر. والغريب بحسب آية، انه حتى الآن لم تأت ثورة فى الجزائر على الرغم ان المواطنين باتوا قاب قوسين او ادنى من ان يأكلوا بعضهم البعض. وتابعت آية : أتألم كثيراً وانا أرى بلدى وصلت لهذا الحال بسبب الفساد المستشرى فى ضلوعها، معتقدة ان الحل يكمن فى ضرورة التغيير الحتمى داخل الجزائر، وضرورة تعقب مصادر الفساد والرشوة بكل أنواعها، بالإضافة إلى توحد جهود الشعب من اجل مستقبل أفضل.عنق الزجاجة الفاسدةمن جانبه، قال مراد شريف، مدير تسويق سورى، إن الفساد المنتشر في الدول العربية يعتبر أحد الأسباب التي تقف حاجزاً أمام العملية الديمقراطية وعجلة التنمية. قائلاً "إذا أردت التكلم عن حجم الفساد المزري المنتشر في سوريا سواء على مستوى الحكومة أو حتى الشركات الخاصة، أحتاج إلى مجلدات متخمة ولن أعطي للموضوع حقه" مؤكداً أن أحد أسباب قيام الثورة السورية العظيمة هي رغبة الشعب في الخروج من عنق الزجاجة الفاسدة الني تستنزف موارد الوطن لصالح عائلة الأسد وشركائهم الذين استطاعوا منذ استلام الأسد الابن سدة الحكم السيطرة على ما تبقى من منابع الاقتصاد الوافرة للوطن، تحت شعار (الإصلاح والتطوير) والتي قادها بشار الأسد نفسه ليعتلي عرش السلطة والنفوذ والمال دون رقيب أو حسيب ... وقد أداروا عجلة الاقتصاد بغسل أموالهم في البنوك والجامعات الخاصة وغيرها من الاستثمارات الضخمة التي يصعب علينا حتى استحصالها بعد سقوط النظام . وأكد مراد، ان مكافحة الفساد تحتاج إلى تأسيس هيئات وطنية غير ربحية بالتعاون مع الهيئات الإقليمية العاملة في هذا المجال لحشد الموارد اللازمة لبرامج مكافحة الفساد وتوعية المؤسسات الوطنية والبرلمانيين والأحزاب وصانعي القرارات السياسية لإدماج تدابير مكافحة الفساد بالبرامج الحكومية للارتقاء بالوعي المؤسساتي الوطني ودعم قدرات المنظمات الأهلية والمجتمعات المدنية العربية لمناهضة الفساد على أن تكون موازية لخطط إصلاح حقيقية للقطاع العام وتعزيز تطبيق ذلك مع القطاع الخاص. مشدداً على ضرورة الاستفادة من التجارب والخبرات المماثلة في العالم، قائلا "لا يمكننا أن نتجاهل ما يدور حولنا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والعولمة وحرية العمل والتنافس المشروع وثورة المعلومات والإعلام وتكنولوجيا الاتصالات التي ساعدت على بلورة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحولت العالم كله إلى قرية كونية أصبح فيها من الواجب علينا العمل بجدية للوصول إلى احياء الوعي السياسي والمدني لدينا وتفعيل دور المنظمات الأهلية وحماية المال العام لمواجهة اتساع مساحة الفساد والفقر في الدول العربية"..غرائب الفسادبينما أوضحت تقوى الشتيوي، طالبة الهندسة التونسية أنه "بعد ثورات الربيع العربي أصبحنا نسمع غرائب فى نسبة الفساد التى تزيد أكثر"، مضيفة أن الثورات كشفت الأقنعة الخاصة بالفساد. وأشارت تقوى أنها اصبحت تسمع فى تونس عن انواع فساد مثل الفساد الجنسي. وتعتقد تقوى ان أسباب انتشار الفساد هو بعد الإنسان عن تعاليم الاديان السماوية. قائلة "القرب من الدين الإسلامي يجعل الإنسان واعيا بما يفعله ويتعلم من سلوكه الخلوق. والسبب الآخر برأيها هو عامل الرقابة داخل المجتمع". وأضافت تقوى انه يجب ان تكون جمعيات كشف الفساد داخل المجتمعات العربية أكثر نشاطاً فى رصد حالات الفساد والتنديد بها. مؤكدة انها بعد ثورات الربيع العربي اصبحت البلدان لا تحتمل فسادا مجدداً. ومن جانبها، قالت سارة زواغى، طالبة الإعلام التونسية، إنه في خضم الانشغال بالتحولات الدراماتيكية التي افرزتها ثورات الربيع العربي قد يكون التقارب بين مفهوم الفساد والمواطن العربي يتصدر اولوية الاهتمام لما تموج به المنطقة من تصاعد للاحداث ولكن تبدو النتيجة المنطقية لظاهرة الفساد في الركن العربي مرهونة بالقيادة العرببة الحالية التي رفعت شعار النهضة العربية وهذه النهضة يحب ان تكون مباشرة. مشيرة انه عند الرجوع الى ما نشرته منظمة الشفافية الدولية لسنة 2012 يتأكد ان معدل او نسبة مؤشر الفساد ارتفع في تونس حيث تراجعت بعد الثورة الى المرتبة 75 علما بأن تونس كانت تحتل المرتبة 59 قبل الثورة، مؤكدة انه قد يكون المشهد من هنا غامضا لكن لا مجال لانكار التحدي الاكبر الذي يجب ان تتوخاه البلدان العربية، وهو في التعارض الذي سينشأ بين جدلية التغيير وظاهرة الفساد التي تزداد تعقيدا، وهذا التغيير سيكون القانون الاساسي لان تلعب الدول العربية دورا اكبر في تفعيل اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد وهي غير حاضرة بقوة في عديد من البلدان العربية. وأكدت سارة أنه يجب تأهيل اطارات متخصصة للتعامل مع كافة أشكال الفساد.