الفساد هو فقدان القِيم الأخلاقية في أداء العمل العام، والذي هو أمانة ثقيلة لمن يعقلها ومن أتاه الله البصيرة والوعي، فإما أن يؤدي ذلك بتمامه دون نقصان أو ينحرف ويطمع وينهار أخلاقيًّا بتفكيره في ذاته ونظره الى ما ليس له، وذلك في تصوّري يختصر مفهوم الفساد الإداري في أي من أجهزة الدولة، ولا يختلف فيه موظف صغير أو كبير، فمن يهدر ريالًا يتساوى مع مَن يهدر مليونًا، ولعل المدخل الرئيسي لذلك هو غياب أو تغييب القناعة بما يأتينا من أنصبة في أرزاقنا ومكتسباتنا، وحين نعطل تلك القناعة تفتح أبواب الجحيم الذاتية التي تقود هذا وذاك الى الفساد والاختلاس وخيانة الأمانة والتقصير في أداء الواجبات والتهاون فيها.
والعلاقة بين الكفاف والفساد والقناعة متلازمة ويتجاهلها أولئك الذين يخدمون المواطنين والمراجعين في الدوائر المختلفة، خاصة حين يتطاولون بسقف طموحاتهم الى أبعد مما يمكنهم فيبتغون وسائل غير شريفة للصعود، ولكن في حال التعاطي مع عمل عام يختص بتصريف شؤون المجتمع يجب أن يختار من يُؤمنون على الفئات الضعيفة فيه، فحقوق المجتمع دَين في رقاب هؤلاء ولا يمكن لمنظومة اجتماعية أن تكتمل دون بُعد أخلاقي في ممارسة العمل، لكن للأسف الشديد هناك من يضيع الأمانة وينخر كيان الأمة بالتقصير تجاه أضعف الشرائح الاجتماعية وهذا ليس من الإنسانية في شيء، فالضعفاء واليتامى واللقطاء من أحوج الناس الى منحهم زيادة في القوة وبث القدرة فيهم للولوج في المجتمع بنفسية سويّة غير منكسرة لا يشعرون معها بالنقص، ومنذ أيام وجدت صورة في «تويتر» منشورة من صحيفة سعودية لطفل في دار الرعاية الاجتماعية في جازان يلتحف قطعة بلاستيك وينام، ذلك قفز بتفكيري للتساؤل: أين تذهب الميزانية التي تخصّصها وزارة الشؤون الاجتماعية لهذه الدور؟ فإذا كانت الدار عاجزة عن توفير ما يتدفّأ به هذا اليتيم فمعنى ذلك أننا وصلنا الى حد نستطيع أن نترحم فيه على خيرية الأمة ووصايا كتاب الله والمصطفى «عليه أفضل الصلاة والسلام» بهذه الفئة.
من الواضح أن هناك تقصيرًا في كفالة الأيتام وأداء دور الرعاية الاجتماعية، لا يمكن أن يُغفل ويجب المحاسبة عليه؛ لأن الرأي العام مستاء جدًا من وضع الأيتام وما آل إليه من وحشية في التصرّفات التي تحدث داخل الدور، وذلك يتطلب معالجة سلوكية وأخلاقية تدعم أسلوب العاملين فيها بحيث يرتقون بصبرهم وشفافيتهم ودفئهم الصادق لهذه الشريحة.بحسب هيئة الإغاثة الإسلامية ووفق آخر تقرير عن إنجازات العام 1431/1432هـ بلغ عدد الأيتام المسجّلين في الداخل والذين ترعاهم دور الرعاية الاجتماعية قرابة (15,000) يتيم داخل المملكة، وهذا عدد ضخم لا يُستهان به، وقد قرأت تصريحًا لمسؤولة في الإشراف الاجتماعي النسائي بمنطقة مكة المكرمة قالت فيه (المجتمع السعودي في حاجةٍ إلى أكثر من دار لرعاية الأيتام في كل مدينة) ونوّهت الى أن عدد الأيتام في السعودية كبير جدًا دون أن تشير إلى العدد الفعلي، وهؤلاء الأيتام أمانة في عنق المسؤولين في هذه المقار، فهم فاقدون للمكوّن الأسري ولابد من حلول بديلة معوّضة لهم عن البيئة الحاضنة، ويبدو أن هناك تناقضًا بين الواقع وما أشارت إليه هيئة الإغاثة الإسلامية من أن الأيتام الذين يقيمون في دار الرعاية الاجتماعية يتلقون الكفالة والرعاية الكاملة في الدار (صحيًّا وتعليميًّا واجتماعيًّا وترفيهيًّا وتدريبيًّا بالإضافة إلى السكن والإعاشة) فصورة ذلك الطفل تغني عن ألف كلمة.
من الواضح أن هناك تقصيرًا في كفالة الأيتام وأداء دور الرعاية الاجتماعية، لا يمكن أن يُغفل ويجب المحاسبة عليه؛ لأن الرأي العام مستاء جدًا من وضع الأيتام وما آل اليه من وحشية في التصرّفات التي تحدث داخل الدور، وذلك يتطلب معالجة سلوكية وأخلاقية تدعم أسلوب العاملين فيها، بحيث يرتقون بصبرهم وشفافيتهم ودفئهم الصادق لهذه الشريحة.