قفزة فيليكس كانت مغامرة من العيار الثقيل ولو أن أحدنا تصوّر السقوط من مسافة مائة متر لأصيب بالهلع والفزع والخوف الشديد ولربما أصيب بفوبيا السقوط من الأماكن المرتفعة طوال حياته.
وبعيدًَا عن فيليكس ومغامرته التي كان يهدف من ورائها لتحطيم أرقام قياسية على حساب احتمالات عالية لفقدانه حياته في أية لحظة، فمن شاهد سرعة سقوطه والتفاف ودوران جسده كالكرة في الفضاء لا يساوره شك في أن هذا المغامر هالك لا محالة.
ولم يكن مستغربًا الهالة الإعلامية والآلة الدعائية التي صاحبت هذا الحدث والترقب الشديد لما ستؤول إليه الأمور لهذه القفزة الهائلة التي تبقى لها دلالاتها ومؤشراتها التي تتماهى وبعض ملامح واقعنا المأزوم.
أشد القافزين في رأيي خطورة ذلك الذي سيكون معرَّضًا للسقوط الرأسي المباشر على أرضية صلبة جدًا وهو مَن يحاول في هذه الأيام القفز على زوجته الأولى بالزواج من ثانية، هذا سينافس فيليكس في تحطيم أرقام قياسية، ولكنها في كمية وعدد أدوية الأعصاب وضغط الدم والسكر.فيليكس مغامر من الدرجة الأولى وبالتأكيد كان يسعى للمال والشهرة، لكن ماذا عن شبابنا المغامرين بسياراتهم سرعة وتفحيطًا الذين عرَّضوا أنفسهم وغيرهم للتهلكة، وحوَّلوا هذه النعمة العظيمة من أداة نقل إلى أداة قتل يزهقون بتهوّرهم أرواحهم وأرواح الأبرياء، ولعل شبابنا ضمن هذا الإطار يلتقون مع فيليكس في المغامرة كمفهوم لكن نتائج عملهم لن تجد ترحيبًا مجتمعيًا ولن يحصلوا على آلةٍ إعلامية تمجّد فعلهم وتدعمهم وتنشر مغامراتهم الصبيانية، لكنهم في المقابل سيجدون أبوين مكلومين وأسرًا تعيش الآلام والأحزان في كل وقتٍ وحين إزاء تهوُّرهم وطيشهم.
هؤلاء الذين أحرقوا زهرة شبابهم بموت أو بإصابة مقعدة تلازمهم طوال حياتهم لم ولن يجدوا مالًا أو شهرة بل سيجدون أعمارًا ذبلت وإصابات وأمراضًا كبَّلتهم بقيود الأسر في الأسرَّة البيضاء.
وقفزة فيليكس هي قفزة انتهت بنتيجة رائعة علميًا خاصة في تحطيم أرقام قياسية بالغة الصعوبة ووصوله الأرض بسلام، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة كما يُقال إذ إن هناك مَن يمارس القفز على النظام بطرقٍ عديدة وأساليب ملتوية مستغلًا المنصب والنفوذ، هؤلاء بإمكانهم القفز برشاقةٍ رياضية منقطعة النظير هناك بالطبع مَن يُحطم الأرقام القياسية في الانتفاع من منصبه وموقعه وبعضهم يخرج من موقعه وقد أثرى بطرقٍ غير مشروعة وربما يغادر منصبه والناس يصفقون له ويهتفون باسمه وهو من أكبر المختلسين والمفسدين.
ولو أن رواتب أمثال هؤلاء جمعت طوال فترة خدمتهم لما استطاعوا توفير الحد الأدنى من الضروريات ولكن من أين لهم هذا؟ ومن أين جاءوا بهذه الملايين التي حوّلت كل واحد منهم إلى مليونير؟ لعلنا نعزو ذلك لمستوى القفزة وبراعتهم في أدائها بطريقةٍ سحرت عيون الجميع، فلم ينتبهوا لكذبة وتحايل الساحر.
وقفزاتنا لا تتوارى ذلك أنها ترفض الانزياح فقدرنا أن يكثر القافزون لكنها كثرة كغثاء السيل، حسنًا لننتقل إلى قفزةٍ أخرى مع الاعتذار طبعا لفيليكس وقفزته المدوّية فلدينا قفزات على المستوى الاجتماعي تتجاوز المألوف، فلدينا ظاهرة القفز على الإمكانات المادية بشكل مدهش ولك أن تتساءل: كيف يقفز مَن لا يتجاوز راتبه خمسة آلاف ليشتري سيارة يتجاوز سعرها المائة والثمانين ألفًا؟ وكيف يقفز ربعنا الأشاوس في صيف كل عام ليحلّقوا شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا بقروض وديون تثقل كاهلهم لسنواتٍ قادمة؟ وكيف أن فيتامين (واو) يعطي مَن يتناوله إمكاناتٍ تحطم المستحيل وتقفز بصاحبها في لمح البصر إلى الصدارة دون أدنى جهد وبلا ملف علاقي أو مقابلات أو حتى مؤهلات؟ وكيف أن كثيرًا من المقبلين على الزواج يقفزون قفزاتٍ طويلة على إمكاناتهم المادية المحدودة في إقامة حفلات زواج لا تقل تكاليفها عن الأربعمائة ألف ريال؟! ألم يكن من الأفضل أن يدخروا هذه المبالغ المهدرة في رصيدٍ يستفيدون منه في استحقاقات معيشية مقبلة؟ على أن هناك مَن يحاول القفز ولو لمسافةٍ بسيطة، ولكن أنّى لمقصوص الجناح أن يطير او حتى أن يحاول الطيران؟!
أما أشد القافزين في رأيي خطورة ذلك الذي سيكون معرَّضًا للسقوط الرأسي المباشر على أرضية صلبة جدًا وهو مَن يحاول في هذه الأيام القفز على زوجته الأولى بالزواج من ثانية، هذا سينافس فيليكس في تحطيم أرقام قياسية، ولكنها في كمية وعدد أدوية الأعصاب وضغط الدم والسكر وقد لا تنفع معه هذه الأدوية ولا تؤدي وظيفتها، فنجده يومًا ما يقفز في حديقة مستشفى شهار بالطائف!.