يتغنى الرياضيون عامة بأساطير كتبوا أسماءهم بمداد من ذهب ونقشوها في سجلات التاريخ الخالدة ,وعلى مستوى منظومة العمل الإداري في الرياضة السعودية يبرز عدد من الأسماء التي يحق لنا بأن نصنفها ضمن قائمة الأساطير , ومتى هممنا بالإشارة لهذه الأسماء أو حتى مجرد التعريض لها ,فإننا حتما لن نبرح عن الاسم المثير دوما والشخصية التي عرفنا معها أول إنجاز خارجي تحقق لمنتخبنا السعودي الاول عام 1984 م , تلك الشخصية التي عملت بكل تفان وإخلاص طوال أربعة عقود ونيف ,كانت ولا تزال مضرب مثل للكثير ممن دلف باب منظومتنا الرياضية العريقة. الدكتور صالح بن ناصر أو الأسطورة كما يشرفنا أن نلقبه هذا اليوم في الميدان الرياضي ,خدم وبذل وقدم الغالي والنفيس ,ومؤخرا تم قبول استقالته بناء على طلبه وأعلن عنها رسميا , مقرونة بعدد من القرارات التاريخية من قبل رجل الرياضة الأول الأمير نواف بن فيصل .
«الميدان» التقى الأسطورة والرمز الكبير الدكتور صالح بن ناصر من أجل أن نأخذ انطباعاته حيال تلك القرارات فخرجنا بهذا اللقاء التاريخي والاستثنائي .
بداية لاندري هل نعزي أنفسنا بترجل قامة رياضية مثلك عن منظومة العمل الإداري في رياضتنا أم علينا أن نقتنع عنوة بأن لكل زمان دولة ورجالا؟ـ قد تفاجأ بأنني أقول لك بأنني سعيد بل سعيد للغاية وأنا أغادر عملي الرسمي مرفوع الرأس بعد أن عملت لما يزيد عن أربعة وأربعين عاما قدمت من خلالها كل ما أملك لخدمة وطني من خلال هذا المجال ولا أخفيك سرا بأنني رسميا انتهيت من العمل قبل عشر سنوات من الآن ولكن بسبب توجيهات عليا واصلت مشواري عن طريق التعاقد من أجل إكمال وإنجاز بعض الأشياء التي لم تكتمل ,أنا يابدر بدايتي كانت عام 64 م والآن نحن نعيش آواخر 2012 م ,والحقيقة أنني قدمت استقالتي للأمير في وقت سابق ورفضها وأشكره من أعماق قلبي على أن وافق عليها مؤخرا,أيضا لدي قناعة تامة وكما تفضلت أنت بسؤالك أن لكل زمان دولة ورجالا ,وحان الوقت لأتفرغ لأسرتي وأنا أعيش أواخر عمري ,كذلك الأجيال الشابة والدماء الجديدة يجب أن نعطيها الفرصة لتواصل ما كنا نقوم به واتمنى لهم التوفيق من قلبي.
بعد هذا المشوار الطويل والذي شارف على 45 عاما هل لك أن تصف لنا مشاعرك وأن تستقبل قرار الاستغناء عن خدماتك وهل أحسست بالمرارة وخالجتك العبرة وأن تغادر الرئاسة ؟ـ طبيعة النفس البشرية تفرض عليك أن تحس بنوع من المرارة أو الغصة وأنت تغادر المكان الذي اعتدت عليه لسنوات طويلة ,ولكن ماهون علي ذلك أمور عدة جعلتني أحمد الله تعالى على أن تم مثل هذا القرار ,فالفرح الذي شاهدته على محيا عائلتي والرسائل والإتصالات التي انهالت علي بعد صدور القرار ,حسستني بالحب الكبير الذي يكنه لي الآخرون ,وتثمينهم لكل أعمالي السابقة جعلني أفتخر وأباهي بمسريتي هذه ,لذلك أقول بأن مشاعري مشاعر فرح وسرور والحمدلله على كل ما أنعم علي به من محبة واحترام وتقدير.
لم أكن أميل لأي ناد والله يشهد على ذلك ولكن بحكم أنني من مواليد مكة فإنني بلا شك أرتبط مع هذا النادي بولاء مناطقي ليس إلا,اما الإتحاد فيشهد الله علي أنني لم أكن اتحاديا في يوم من الأيام وربما من يعرف علاقتي بعبدالفتاح ناظر (رحمه الله) يعتقد أنني اتحادي . عملت مع الأمراء فيصل وسلطان ومؤخرا مع الأمير نواف ,أيا من هذه المراحل تصنفها بالذهبية ومع أي من تلك الشخصيات وجدت نفسك كثيرا؟ـ كلهم شخصيات عظيمة استفدت منها الكثير وإحقاقا للحق فأنا تشرفت بالعمل مع أبناء الفهد وحفيده ,والحقيقة أن لكل منهم صفات خاصة ,فالأمير فيصل بن فهد أعتقد بأن فترة عملي معه فترة ذهبية شرفني من خلالها بالعديد من المهام التي كانت أكبر مني ولكنني نجحت من خلالها ولله الحمد منها على سبيل المثال نجاحي مع الوفد الذي ترأسته في طرد إسرائيل من المشاركة في الدورة الأولمبية في مونتريال ,أيضا العديد من المهام وفقت بها إبان فترة الأمير الراحل والذي مع رحيله فقدت شخصية استثنائية اتسمت بالصدق والعمل والتضحية ,وفوق ذلك كان رحمه الله شخصية مهابه ولها ثقلها سياسيا ورياضيا ,أيضا الأمير سلطان فيه من مواصفات الأمير فيصل الشيء الكثير وهو إنسان عملي ودقيق وطموح ,والأمير نواف أرى فيه من صفات والده الشيء الكثير ولعل أبرز مايميزه الطموح والذي أتمنى له أن يتحقق على أرض الواقع.
أعود إلى القرارات الأخيرة وأسألك مباشرة عن سبب استبشار الكثيرين بها؟ـ التغيير سنة الحياة وكما قلنا لكل زمان دولة ورجال ولكن كل ما أتمناه أن تؤتي هذه القرارات ثمارها في القادم من الأيام, بشرط أن تعطى الفرصة والوقت الكافي.
هناك من ربط هذه القرارات وحالة الفرح العارم بها بالأسماء المبعدة ,حتى خيل لنا بأنك ورفاق دربك المستبعدين سبب تراجع رياضتنا ومصدر تقهقرها؟ـ هذا ظلم أين انجازاتنا ولماذا تناسوها ,متى فزنا بأول كأس في تاريخنا ومن كان رئيس البعثة فيها ,فزنا بكأس آسيا 84 وانا رئيس البعثة ,وحققنا ذات اللقب ثلاث مرات ووصافته مرة واحدة ,تأهلنا لكأس العالم أربع مرات متتالية ,لماذا تناسوها ,هذا ظلم وإجحاف لايليق بالعمل الكبير والجبار الذي قمنا به جميعا وليس انا وحدي.
انقسم الرياضيون حيال هذه القرارات فمنهم من يؤكد خسارتنا لقامة كبيرة كأمثالك ومنهم من يؤكد بأنها أولى خطوات التصحيح . أنت ماذا تقول شخصيا؟ـ إن شاء الله تكون أولى خطوات العودة لسابق مجدنا والمهم أن توفر الإمكانات لمن يحل بعدنا من أجل أن يتمكنوا من تحقيق ما يصبوا إليه جراء هذا التغيير.
بوصفك شاهدا على العصر وأحد خبراء رياضتنا أريد منك وصفا دقيقا لسبب تراجع رياضتنا في السنوات الأخيرة؟ـ أولها الإمكانات المادية بالدرجة الأولى والبشرية بالثانية ,ثم علينا أن نتبنى إنشاء أكاديميات متخصصة ,وإن كانت هذه مسئولية رجال الأعمال والذين عزفوا عن دعم رياضتنا ,وأنا أؤكد على دور القطاع الخاص في شتى المجالات الأخرى ,فعالميا يعد مستشفى مايو كلينك أفضل مستشفى على مستوى العالم ومن يتبناه شركة خاصة وليست الدولة ,نحن لدينا شركات عالمية مثل أرامكو وسابك وحري بها أن تدعم المجتمع والرياضة على وجه الخصوص ولكن أدوارهم مغيبة تماما على الرغم من المليارات التي تغص بها خزائنهم.
حاليا ربما تكون آراؤك أكثر أريحية وبلا ضغوط بعد رحيلك عن العمل الرسمي ,حدثني بصراحة عن دعم الدولة للرياضة ,هل هي مقصرة تجاهكم ,وهل هي إحدى عقبات تطور ياضتنا بشكل عام؟ـ نعم وبكل صراحة دعم الدولة قليل وقليل جدا ومحبط لنا كمؤسسة رياضية تعنى بمائة وثلاث وخمسين ناديا ,وتعنى برياضات فردية وجماعية ,ولن أذيع سرا عندما أقول بأن الدعم الحكومي سبب تراجع رياضتنا للوراء ولنا في الدول الخليجية المجاورة خير مثال من حيث الصرف ومن حيث المخرجات والنتائج أيضا.
لو طلب منك إقامة ورشة عمل ورسم خارطة طريق تضمن لرياضتنا الوصول للعالمية وفق خطط علمية مدروسة هل ستقبل ؟ ثم ماهي الخطوط العريضة التي ستقف عندها كثيرا وتركز عليها؟ـ حاليا سأذهب لمواصلة بعض أعمالي في الإتحاد الدولي وبعدها سألتقط أنفاسي وأخلد للراحة شهرين كاملين وفي حال عودتي أنا مستعد لتكريس كامل خبرتي في خدمة الوطن سواء من خلال الندوات او ورش العمل أوحتى أكتب مذاكراتي الخاصة وتجاربي السابقة من خلال عملي السابق ومشواري الطويل.
على ذكر الخطط المدروسة ألا توافقني الرأي بأن هذه المفردة باتت محل سخرية الوسط الرياضي بعد ان ملوا من تكرارها دون نتائج تذكر؟ـ أعي جيدا ماترمي إليه ولكن كل تلك الخطط كانت مقرونة بوعود من الدولة من اجل دعمها ماديا ومعنويا وترجمتها على أرض الواقع ولكنها لم تتم وهذه هي كل الحكاية.
كأس آسيا 84 أسعد لحظات حياتي ووفاة الرمز الكبير أقساها على الإطلاق، قاروب تمادى كثيرا وتجاوز صلاحياته فحدث ما حدث، بعد أربعة عقود من العمل الإداري غادرت مرفوع الرأس مرتاح الضمير، أحسست بالغصة وأنا أغادر الرئاسة ومشاعر هؤلاء خففت عني الكثير، حياديتي ونزاهتي سببت لي المتاعب وهؤلاء هددوني عن طريق الجوال دعني أعود بذاكرتك إلى الوراء وأسألك عن لحظة فرح لم تبرح مخيلتك حتى الآن إبان مشوارك الطويل ,وأخرى سيئة لا تزال عالقة بذهنك حتى يومنا هذا؟ـ تحقيقنا لكأس آسيا لأول مرة وأنا رئيس للبعثة لحظة لن أنساها ما حييت لدرجة أن رئيس وفد إيران كان يجري خلفي من أجل تهنئتي ولم أحس به من فرط الفرحة ,أيضا تأهلنا لكأس العالم وخاصة المباراة التي أقيمت في قطر وتأهلنا من خلالها لكأس العالم 98 لحظة فرح لا أنساها ,بينما تبقى وفاة المرحوم الأمير فيصل بن فهد أسوأ لحظة مرت في حياتي حيث كان معي في اتصال ليلة وفاته وأنا في أمريكا لعلاج زوجتي وكان يسأل عنها ويطمئن عليها.
ترجلت مؤخرا وغادرت منظومة العمل الإداري ,بماذا خرجت من الوسط الرياضي؟ـ براحة البال والضمير وحب الآخرين ومؤخرا تلقيت رسالة على جوالي لعل من المناسب أن أذكرها ففيها مايجيب على سؤالك ومفادها الحمد لله على وصولك إلى بر الأمان سالما ,وهو ما تحقق بكل تأكيد.
ميولك كان مثار جدل للرياضيين عامة بلا استثناء ,كذلك اتحاديتك المزعومة لا تقل جدلا وإثارة ,أما آن لك أن تكشف لنا عن ميولك بعد مغادرتك لعملك الرسمي كي يرتاح الكثيرون؟ـ لم أكن أميل لأي ناد والله يشهد على ذلك ولكن بحكم أنني مواليد مكة فأنني بلا شك أرتبط مع هذا النادي بولاء مناطقي ليس إلا,اما الإتحاد فيشهد الله علي أنني لم أكن اتحاديا في يوم من الأيام وربما من يعرف علاقتي بعبدالفتاح ناظر رحمه الله يعتقد أنني اتحاديا .
بكل صراحة كنت على علم بقرب رحيلك لذلك آثرت عدم الرد على قضية شيكات نادي الإتحاد الأخيرة؟ـ ليس كذلك وقضية الشيكات أجبت عنها في وقتها ومن آثار هذه القضية لا يعرف أبعاد الموضوع ,ونحن بدرونا وضحنا كل شيء واستلم الفتح حقوقه وأشكر رئيسه الخلوق جدا على تفهمه للموضوع وتوضيحه للحقائق.
عاود الدوري نشاطه وكانت قضية الشيكات المرتجعة أهم قضايا تلك الفترة ولكنكم كنتم مع الأسف في إجازة ,فهل يعقل أن يحدث ذلك خاصة أنك رجل الاحتراف الأول ؟ـ من يقول ذلك إما جاهلا وإما مغرضا سكرتارية اللجنة كانت تعمل يوميا بما في ذلك أول أيام العيد فكيف يخرج علينا البعض ويقول أنتم في إجازة.
على الصعيد الشخصي عانى صالح بن ناصر مع الإعلام الرياضي كثيرا فما السبب؟ـ أنا رجل عملي ودقيق وصارم وأنفذ القرارات بكل حيادية وهذا سبب لي إشكالا كبيرا كون بعض قراراتنا لا تعجب الإعلام المتعصب وأعني به إعلام الأندية وأذكر أنني بسبب هذا الإعلام قد تلقيت على جوالي العديد من رسائل التهديد لي ولعائلتي وتدخلت الجهات العليا بسببها وأوقفت هذا الموضوع عند حده وأما الإعلام الحر والنزيه والصادق فلا مشاكل لدي معه بل استفدت منه الكثير.
تأسفت على المهاترات السابقة بين أحمد عيد وماجد قاروب الا تعتقد بأن هناك حلقة مفقودة أدت إلى تلك المهاترات؟ـ ليست حلقة مفقودة وما أعرفه أن ماجد قاروب تخطى أدواره إلى أن وصل لحد لا يطاق فحدث ما حدث بينه وبين أحمد عيد والذي كان محقا بإبعاده عن اتحاد القدم لتداخل أدواره وازدواجيتها في عدد من اللجان.
هناك من يتهم جهات معينة بأنها تقف خلف عرقلة الانتخابات وإبقاء هذه الفوضى إلى ماهي عليه الآن ,هل تتفق مع مثل هذه الآراء؟ـ إن كان المقصود الأمير نواف بن فيصل فهو منذ مدة طويلة كان يرغب بترك اتحاد القدم ولا اظن أن هناك من يهمه عرقلة الانتخابات .
لو طلبت منك أن ترشح لي اسما يرأس اتحاد القدم ويمثل كافة طموحاتك فمن ستختار؟ـ لايوجد من يمثل كافة طموحاتي وحاليا لو رشحت أحدا فلن أتخطى أحمد عيد فهو الشخص المناسب في المكان المناسب.
مهامك القارية والدولية ماذا عنها وهل ستستمر في مناصبك الرسمية الدولية أم ستقدم اعتذارك؟ـ سأستمر فيها حتى نهاية فترة عملي على أن أبتعد بعدها نهائيا وبلا رجعة.
سأطلب منك توجيه عدد من الرسائل لبعض الشخصيات الرياضية وأترك لك حرية الإجابة من عدمها:
ـ الأمير نواف بن فيصل: شاب طموح وخلوق ويتطلع للمستقبل بشكل يسرالجميع إذا تيسرت له الأمور
ـ سعود العبدالعزيز: إنسان لطيف وأتمنى له التوفيق
ـ فيصل النصار: شاب خلوق وأتوقع له أن ينجح في عمله
ـ أحمد عيد: شخص عملي وخبير ويتميز بخلق رفيع
ـ ماجد قاروب :أتمنى أن يعيد أسلوبه في العمل القانوني وألا نخسره فالمجتمع بحاجة امكانياته الكبيرة
ـ عمر المهنا: نزيه ويعمل بكل تفان
كلمة أخيرة تختتم بها هذا الحوار فماذا تود أن تقول؟ـ شكرا لك يابدر أتعبتني كثيرا ولكن شرفتني بهذا الحوار الثري والجميل والشكر موصول لكافة القائمين على جريدة اليوم بلا استثناء.
