في تاريخنا كله كانت الإرادة (عمودية) منذ الجاهلية مروراً بالإسلام في مختلف عصوره وصولاً إلى زماننا هذا. وفي تاريخنا كله كانت الادلوجية السائدة هي الإسلام.. وقد استخدمت هذه الادلوجية مظلة لجميع السلطات، مهما كانت متناقضة في الدوافع والأهداف مثل تناقض الادلوجية الأموية مع العباسية. وفي تاريخنا كله كانت القيم (النظرية) واحدة على مستوى (الإنشاء) أو النص.. أما القيم العملية فكانت بين اثنتين: الاستبداد والعبودية الطوعية أو القهرية. لماذا؟
لغياب مفهومين من أشد المفاهيم إضاءة هما مفهوم التاريخ ومفهوم الإنسان في هذا التاريخ نفسه أي المحدد بالجغرافيا.. وكيف تم السير على هذا الطريق دون ذاك في الحياة الطبيعية والذهنية. ولك أن تضيف إليهما غائباً ثالثاً وهو الوعي اللا حسي فقد كانت الثقافة السائدة ثقافة شفهية في صحراء من الأمية الأبجدية والفكرية وحسية المشاعر الجمالية ما عدا استثناءات نادرة في فترات متباعدة. قل: إن هذه المفاهيم (الغائبة) حديثة جداً وإسقاطها على تاريخنا جرأة عبثية.. وأنا معك.. فالغرض من المقال ليس هذا.. بل هو السؤال التالي: لماذا تحجرت ضحكة الربيع العربي الخضراء في حنجرته وقد جاء (يختال ضاحكا) ونحن في عصر هذه المفاهيم التي كانت غائبة؟ السؤال هذا يكاد أن يكون غبياً وأعشى لأنه يقرر القول (نحن في عصر المفاهيم التي كانت غائبة في كل تاريخنا) فنحن في عصر هذه المفاهيم زمنياً لا فكرياً ولا سلوكياً.. لهذا لم تتحول الإرادة حتى الآن عندنا إلى إرادة أفقية.
كيف تقول هذا وقد جاء رئيس منتخب بإرادة أفقية حرة؟! نعم. أقول هذا وأكثر منه.. فهذه الإرادة الأفقية الناخبة لم تكن مندفعة اندفاعاً ذاتياً قادراً على الاختيار. بل هي تلبية لإرادة عمودية تحترق حتى حدود الغيب. تتحقق الإرادة الأفقية حين يكون كل فرد قادراً على الاختيار من بين خيارات متعددة أما حين تنعدم الخيارات لانعدام الرؤية وحين لا يكون أمام الفرد سوى خيار واحد فهو ليس حراً.