لأنك بمكان بعيد عن الأسواق، أصبح هذا الاستغلال مقبولًا أيضًا لأنك تضيف تكلفة الانتقال لأقرب سوق وتقبل بالسعر المرتفع، لكن الاستغلال يصبح فوق الاحتمال حين يتخذ صورة الشيطان المتجمل بالأكاذيب، وإليكم أصدقائي مثالًا حيًا وقائمًا بالسعودية، قبلة المسلمين، ومهد الرحمة للعالمين، حدّدت شركة نقل شهيرة بمدينة الدمام، تكلفة انتقال الشخص ذي الإعاقة الحركية من مكان لآخر داخل المدينة بالسيارة بثلاثمائة ريال للمرة الواحدة، أي إذا كان الشخص يحتاج للانتقال لأكثر من مكان ستتضاعف القيمة بعدد المرات،
أين المسوؤلون بحاضرة بالدمام من هذا الأمر الواضح الذي لا يحتاج لتفتيش؟ أين حق الأشخاص ذوي الإعاقة في إمكانية الوصول للأماكن المختلفة بحرية، وسهولة، وتكلفة معقولة من المفترض أن تقل عن المعتاد وليس أن تضاعف مرات ومرات؟ فإذا افترضنا أن الشخص سينتقل لمستشفى مثلًا، ثم لقضاء حاجة بجهة حكومية، ثم العودة، ستقترب التكلفة من ألف ريال تقريبًا، أما تكلفة خدمة الانتقال للشخص من غير ذوي الإعاقة فلا تزيد بأي حال عن خمسة وعشرين ريالًا، فأي كلمات يمكنها أن تصف هذا الاستغلال؟ وأي قبح أصاب تلك الشركة التي لن أذكر اسمها غضبًا، فلا أجد أي تبرير لهذا المستوى من الاستغلال سوى الجشع المجرد من الإنسانية، والجهل بحقوق الآخرين، والتعالي على كل قيمة، لكن الأهم هنا هو مَن المسؤول عن مراقبة تلك الشركة؟ وأين المسوؤلون بحاضرة بالدمام من هذا الأمر الواضح الذي لا يحتاج لتفتيش؟ أين حق الأشخاص ذوي الإعاقة في إمكانية الوصول للأماكن المختلفة بحرية، وسهولة، وتكلفة معقولة من المفترض أن تقل عن المعتاد وليس أن تضاعف مرات ومرات؟ أضع تلك التساؤلات أمام الحكومة بكل مستوياتها، وأنتظر ردًا سريعًا حاسمًا يُعيد الحق لأصحابه، ويعاقب من سمح لنفسه باستغلال أشخاص فقط وضعت الإعاقات بطريقهم، فالبيئة المكانية لم تراعِ وجودهم، وتعامل الغالبية معهم بوصفهم أصحاب مشكلات صحية شخصية عليهم حلها وحدهم، إخواني المسؤولين، للأشخاص ذوي الإعاقة حقوق، منها الوصول للأماكن والخدمات على قدم المساواة مع الجميع، والحكومة مسؤولة عن توفير البيئة المناسبة، ووضع التيسيرات المطلوبة، وإزالة العوائق من الطرقات والأماكن العامة والخاصة، والتصدّي لأي انتهاك أو استغلال لظروفهم، هذا حق وليس مجرد خدمة جيدة أو سيئة، أما الأشخاص الذين خضعوا رغما عنهم لاستغلال تلك الشركة، فأنا أعتذر لكم جميعًا باسمي وباسم كل سعودي يرفض تلك الأوضاع المقلوبة، أعتذر وأنا أعلم جيدًا أن الاعتذار لا يكفي، فالأمر أكبر كثيرًا من المال، شعوركم بالتقصير في حقوقكم، الحزن الذي أصابكم، الشعور المقيت بالعجز، القبول بما لا يقبل به غيركم، التمييز ضدكم، فللأسف تتلقون يوميًا الوعود، وتكتب الصحف يوميًا عن المشروعات والخطط الخاصة بالدمج، لكن في الواقع، لا تجدون سوى التمييز، والإهمال، أعرف شعوركم جيدًا، ربما لأن حقوقكم أحد اهتماماتي، وربما لأن البعض يهمل الأثر النفسي العميق نتيجة التعرض للاستغلال بسبب اختلاف الأجساد، كل كلمات الاعتذار لا تكفي، أما المسؤولون فليس لهم حق الاعتذار، وعليهم التحرّك فورًا لعلاج الأمر، ومعاقبة المخطئين المستغلين.