أظهرت قضية المحامي المصري أحمد الجيزاوي المتهم بتهريب مخدرات إلى المملكة، أن الجماهير يمكن اللعب على عواطفها وبسهولة توجيه قوتها ونشاطها لحسابه ومخططاته.
أعلن سفير المملكة لوسائل إعلام مصرية عديدة، أن الجيزاوي ضبط وبحوزته شحنة مخدرات، وستتم معاملته طبقاً للأنظمة في المملكة، ولا صحة إطلاقاً للشائعة المختلقة أن حكماً غيابياً بحقه قد صدر أو أنه سينفذ حكماً أو أنه قد جاء إلى المملكة بملابس الإحرام، وأن قضيته ليست قضية رأي إنما هي قضية تهريب مواد محظورة، وتخضع للإجراء النظامي، ويمكن توكيل محام للمرافعة عنه.
وعلى الرغم من أن السفير كرر هذه التوضيحات ـ على مدى أيام ـ وفي وسائل فضائيات مصرية، وأبلغها لنواب وشخصيات مصرية، ونقلت تصريحاته مواقع في الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات بين الفئات التي امتهنت شتم المملكة، إلا أن التجمهر العدائي استمر يتواصل أمام سفارة المملكة وقنصلياتها ويتجدد مع إطلاق الشتائم والبذاءات والإساءة إلى المملكة ملكاً وحكومة وشعباً وأرضاً، ورفع الأحذية وإحضار رسومات مسيئة وتهديد أمن السفارة وموظفيها، وكتابة عبارات مسيئة على جدرانها ونجمة داوود ورفع العلم المصري على مبنى السفارة، واستمرت هذه الممارسات أياماً بتحريض من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الذين كان يتضح أنهم استمعوا إلى توضيحات السفير وقرأوها، لكنهم كانوا يكثرون الضجيج والشعارات والشائعات ويحاولون تغطية الحقائق المعلنة، لهدف واضح هو زرع الفتنة بين المملكة ومصر، وما كان لدى المملكة من بد سوى سحب السفير للتشاور وإغلاق القنصلية، خاصة أنه قد دارت معلومات أعلنتها شخصيات مصرية رفيعة ومطلعة تقول: إن إيران تدبر لاغتيال سفير المملكة في القاهرة، وأفضل ظرف لتنفيذ هذه الجريمة هو تأجيج المشاعر وحشد القلة من الغوغاء لتلصق الجريمة بالمتظاهرين المصريين،
وإلا ما الهدف من الإصرار على مواصلة التجمهر وترديد العبارات المسيئة والبذاءات على مدى أيام متتوالية بعد التوضيحات المتتالية من السفير؟
من حق المصريين أو غيرهم ـ سواء قبل الثورة أو بعدها ـ أن يتظاهروا وأن يمارسوا حريتهم في نقد أية أخطاء من أي جهة كانت مصرية أو غير مصرية، لكن ليس من حقهم، ولم تعطهم لا القوانين ولا الأنظمة ولا الأعراف في مصر ولا في غيرها، أن يوجهوا إهانات للآخرين، وأن يستخفوا بسيادات الدول وكرامة المجتمعات الأخرى، فمثلما يعتز المصريون بكرامتهم ووطنهم ورموزهم فإن للآخرين أيضاً كرامة وأوطانا يعتزون بها، لكن يبدو أن قلة من المصريين مصابون بوهم أنه يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، ومن حقهم أن يشتموا بدلاً من أن ينقدوا، وأن يرددوا أكاذيب بدلاً من البحث عن الحقائق وأن من حقهم وحدهم إهانة الآخرين والإملاء على سيادات الدول ما يروق لهم، والاعتداء على البعثات الدبلوماسية ومطاردة الدبلوماسيين وممثلي الشعوب الأخرى في الشوارع، ويحق لهم فعل كل هذا، لكنهم سيغضبون لو عاملت البلدان الأخرى ممثلياتهم وممثليهم بالمثل. وكان يجب على السلطات المصرية أن تبادر إلى الالتزام بمسئولياتها وحماية السفارة ومنع المتجمهرين من ارتكاب ممارسات وهتافات بذيئة لا يسمح بها قانون ولا عرف، خاصة أن الذين كانوا يحرضون المتظاهرين تدور حولهم شبهات علاقة مريبة مع إيران وحزب الله.