كثير من الذين صفقوا لثورات الربيع العربي بدأوا يشككون ويتوجسون خيفة من المستقبل، ليس لأنهم من عشاق الاستبداد والديكتاتورية ولا لأنهم من «أيتام» الأحزاب البائدة، (وما يعرف في مصر الآن بـ«الفلول»)، لكن مما تعرضه «فورات» المخاض الثوري.
وهذا المخاض، يعرض كل يوم أشكالا وأنواعا من المتطرفين، و«الفقاعات» الأيديولوجية واستعراض العضلات والمهارات الخطابية والتقليعات الصاخبة.
وأخطر أنواع المعروضات هي الطروحات المتطرفة، من كل نوع: دينية ومذهبية وأثنية، وقومية، وأيديولوجية، وليبرالية.
في الحرية ينكشف المجتمع ويظهر المستور، والممنوع، والمقموع. كما يخرج إلى العلن «المكبوت» بكل أنواعه الحقوقية والفكرية والانتهازية والأنانية والسلوكيات والمزاجيات، أيضاً بأنواعها.
علت أصوات دينية متطرفة، في الدول التي انهارت أنظمتها المستبدة (مصر وتونس وليبيا)، إلى جانب الصوت الديني المستنير أو ضده.وكيفما كان الأمر، فإنه يدل على أن شريحة من ذهنية الربيع العربي تعتقد أن الحرية تعني تحطيم كل القيود وكل القيم السلبية والفاضلة، وفتح الحياة «شوارع»..!. وهذه طوباوية شاذة في علاقات الإنسان بالحياة والاعتراف بحقائقها التي تقضي بأن الحرية نفسها تشكل قيودها الخاصوهؤلاء المتطرفون مصابون بفوبيا عداء الآخر، بسلوكية تسيء إلى الدين أولاً قبل أن تمس خصومه بأي لعنة.
وارتفع الصوت الطائفي في مصر (من الجانبين) بأسلوب مخيف أيضاً. وظهر، في الدول الثلاث، غلاة الليبرالية المصابون برهاب الدين، وهؤلاء يعادون الأديان لأسباب شخصية سلوكية ولكنهم يغلفون عدوانيتهم بغطاء فكري. وتسبب عرض مشاهد إباحية في فيلم في قناة تونسية بهجوم وحرق مبنى القناة. وتناقلت الأنباء هذا الأسبوع اسم فتاة، قيل إنها مصرية، تعرض صورتها عارية في موقع فيس بوك، كي «تستمع» بالحرية. وعلى الأرجح الصورة «مفبركة» وقد لا تكون الفتاة عربية أصلاً،، وربما تكون الصورة والموقع في خارج الدول العربية، أو ربما يكون مؤسس الموقع رجلا.
وكيفما كان الأمر، فإنه يدل على أن شريحة من ذهنية الربيع العربي تعتقد أن الحرية تعني تحطيم كل القيود وكل القيم السلبية والفاضلة، وفتح الحياة «شوارع»..!. وهذه طوباوية شاذة في علاقات الإنسان بالحياة والاعتراف بحقائقها التي تقضي بأن الحرية نفسها تشكل قيودها الخاصة. لكن تلك واحدة من «فقاعات» الربيع العربي.
من التوجسات أيضاً الكثرة الهائلة من الأحزاب والتحالفات التي تناسلت في المخاض. كما أن معارك الانتهازية السياسية قد بدأت مبكراً.
وتحولت الحرية إلى «سوق» وبعضهم يعلي صوته لمجرد حب الظهور، أو التسلط على عباد الله.