آلية عمل مكتب العمل في الدمام وتجهيزاته وموقعه ومبناه، وبخاصة قسم شؤون الاستقدام للأفراد مأساة إدارية وأضحوكة من دون مسرح على الرغم من انه يخدم المنطقة الشرقية بأكملها! فعلى مدى أسبوعين متتاليين، ساقتني ظروف الحاجة المُرة إلى زيارة ذلك المكتب المأساوي مرتين للحصول على تأشيرتي عمل عائليتين. ففي اليوم الأول وصلت في الساعة التاسعة والنصف بعد عناء طويل للوصول إلى موقع المكتب في وسط الدمام.
قطعت الطريق من البوابة عبر السيارات الواقفة داخل موقف المكتب وكأنها سيارات فيضانات جدة بعد الكارثة متجهاً إلى مدخل المكتب. عند بوابة دخول المكتب شاهدت ورقة A4 ملصقة كيفما اتفق على باب الدخول مكتوباً عليها «الرجاء التوجّه إلى نافذة الاستقبال للحصول على رقم لإنهاء اجراءت التأشيرات والخدمات الأخرى».
وقفت أمام نافذة الاستقبال المفتوح منها جزء صغير جداً حيث شاهدت على سطح الكاونتر ورقة مكتوباً عليها بخط اليد «لا توجد أرقام»، مددتُ رأسي داخل النافذة فوجدت موظفاً جالساً بادرني بالحال قائلاً: «والله يا خويـه احنا وزعنا الأرقام المائتين والخمسين في الساعة الثامنة، خذ استمارة والله يفرجها!!».
ذهبت إلى صالة الانتظار، لعل الله يفرجها وحصلت على «رقم». وقفت تائهاً ومتحسِّراً في نفس الوقت ! واذا بي ألمح نافذة أخرى شبه مفتوحة في ركن قصِي من غرفة الانتظار، توجّهت إليها وعرفت من كثرة المراجعين انها لمسؤول القسم. حاولت معه منحي رقماً أو التأشير على الاستمارة فرفض قائلاً: حاول الانتظار إلى بعد الساعة الواحدة والنصف وأكثر، فربما تتاح لك فرصة تخليص اوراقك. في تلك الأثناء كان يقف خلفي معقّب يتحدث بصوتٍ عالٍ موجِّهاً كلامه لهذا المسؤول ويقول له: «تعرف أني واللي رفع سبع سماوات أني شاري هذا الرقم بخمسين ريالاً، يا أخي اختم الأرقام حتى لا يصير فيه تلاعب».
فقدت الأمل في الحصول على معجزة رقم للمراجعة واقفلت راجعاً للعمل وأنا أقول: سلم لي على «الباذنجان». في اليوم الثاني، وصلت لمكتب اللا كفاءة في الساعة التاسعة ! واذا نفس السيناريو يتكرر... اتجهت إلى غرفة الانتظار وكان أمامي كاونتر استلام وتخليص الإجراءات! واذا به مصمك من الأسفل إلى السقف تقريباً وأشد عزلة وكأنه مصدّ أمني مضاد للتعامل الإنساني بحيث لا ترى الموظفين إلا من خلال فتحات ضيقة جداً تختار فيها ما بين إدخال يدك أو طرف أذنك لتسليم اوراقك وسماع التعليمات او الشروحات من قبل الموظف. جلست بجانب أحد المراجعين وشرحت له ملحمتي الحزينة واخفاقي المُذل في الحصول على رقم مراجعة يخوّلني الحصول على تأشيرتي عمل لسائق وخادمة.. فضحك وقال لي: شوف الواقف عند البوابة «قوله تراني راح أسدّد رسوم التأشيرة عندك، ما فيه أحد رمى عندك رقم وهو خارج؟ قمت متثاقلاً واتجهت نحوه وقلت له نفس الكلام ولم أفتح سيرة التسديد لأنني دفعتها عن طريق الهاتف. كان شاباً لطيفاً» أخرج رقم 242 واعطاني إياه.
عدت إلى صالة الانتظار منتصراً «بالرقم». وحتى يصلني الدور كان الوقت يمرُّ بطيئاً ومملاً بسبب ترديد كافة المواطنين والمراجعين قضية واحدة وهي «كيفية الحصول على الرقم الصعب».. عند الواحدة والنصف قدّمت أوراقي لموظف المكتب الذي كان متعاوناً. استلمت التأشيرتين وغادرت المكان وانا أقول في نفسي: يا معالي وزير العمل اذا كان مكتب عمل المنطقة الشرقية بالدمام بهذه الحالة البائسة: موقعاً وتجهيزاً وعدم كفاءة في آلية العمل، اذاً كيف هي حال مكاتب العمل في المحافظات الأخرى. مثل هذا الوضع لا يعكس البتة الحالة الاقتصادية للمملكة ولا التطوُّر العمراني او المدني لمجتمع الشرقية. زيارة المواطن البسيط لمثل تلك الدوائر الحكومية لتخليص معاملات معيشية بسيطة عندما تتحوّل من إجراء روتيني سهل وميسَّر إلى ملحمة «مرمطية» مذلة ومضيعة للوقت والمال والجهد تغدو غصّة وطنية لم يعد بالامكان السكوت عنها او التخفيف من تأثيراتها السلبية على نفسية المواطن.