لم تكن الميزانية الخيّرة التي أهديت للوطن والمواطن بالأمس، إلا امتداداً لمسيرة العطاء التي يقودها خادم الحرمين الشريفين، وسمو نائبه. ولم تكن الأرقام القياسية الهائلة، إلا عنواناً عريضاً لما يقطفه الوطن، ولما يستهدف المواطن من عطاءات لا تنتهي، بكل أبعادها التنموية والحضارية التي تشد انتباه المراقبين والمحللين، بالقياس لما يحدث في بلدان أخرى من العالم. المتابع لرحلة الإنجاز التاريخي التي تتعملق يوماً بعد يوم، يدرك عظمة التحول بما ترسخه الإرادة السعودية على أرض الواقع، ويدرك أيضاً قيمة المنجز الحضاري الذي استطاع وفي سنوات بسيطة، أن يبني المعجزة الرّاهنة، والتي تغلبت على قسوة الجغرافيا، وحولت الصحراء الجرداء إلى واحةٍ غنّاء، وأزالت وحشة الطريق، لتنثر الأمان، والحب، الطمأنينة والاستقرار، وقبل هذا وبعده.. الشعور المتزايد بعمق الهويّة الوطنية وما تعنيه من الحلم والأمل. كعادته، منحنا المليك القائد، مزيداً من الثقة، وكعادته وثّق ساعده الأيمن، سلطان بن عبد العزيز، استراتيجية العطاء، ليكون القطاف ما نرى، ما نحس، ما نسمع، وما نقرأ. الروعة لم تكن في التحول المادي الملموس على الأرض، لكن في التحول الاستراتيجي التراكمي، من عجزٍ إلى فائض، من مجرد خطط عامة، إلى صروح مبنية، نضيء بها مستقبلنا ومستقبل أولادنا، ونستضيء من خلالها مما هو كائن، إلى ما ينبغي أن يكون. يهمنا ـ كمواطنين ـ ونحن نقرأ الأرقام، وندقق فيها، أن نرى عائدها النهائي كما خطط لها، ويهمنا أكثر، أن نشير بأصابع الثقة ونحن نرى التركيز الحاد على قطاعي التعليم والصحة تحديداً، باعتبارهما العقل والجسد لكل خطة تنموية، التعليم يبني عقول الأمة، والصحة تستهدف سلامة بنيتها الجسدية، بالتوازي مع المخزون التراكمي الاستراتيجي الآخر، والذي يشكل الدعم اللوجيستي المهم والذي لا غنى عنه، ولا تفريط فيه. المهم أيضاً، أن يشعر المواطن، بأن هذه الميزانية ليست أرقاماً في الهواء، ولكنها استهداف تعبوي، يتشعب أفقياً ورأسياً ليشمل كل المناطق والمدن والقرى والهجر، بحثاً عن قيمة الإنسان.. الإنسان أولاً وأخيراً.
