DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

خالد سالم السالم

خالد سالم السالم

خالد سالم السالم
خالد سالم السالم
أخبار متعلقة
 
في الأسبوع الماضي وقع نظري على ضيفة جديدة في ركن المجلات في زاوية دكان صغير. كانت فرحتي كبيرة بهذه المطبوعة التي أنارت بإطارها الأصفر البرَّاق هذا الركن شبه المهجور، وسطعت وسَط عشرات المجلات «الغُثائية». مجلة رصينة بمعنى الكلمة، فكل كلمة فيها تستحق أن تُقرأ، وكل صورة فيها تستحق أن تُعلَّق.. إنها مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» بطبعتها العربية. أخيراً.. صدَر العدد الأول من «ناشيونال جيوغرافيك» باللغة العربية غرة هذا الشهر (أكتوبر). واستطاع القراء العرب قراءة المجلة العالمية ذائعة الصيت بلغتهم إثر توصُّل «شركة أبو ظبي للإعلام» مؤخراً لاتفاق شراكة مع «الجمعية الجغرافية الوطنية» الأمريكية يقضي بترجمة مجلتها إلى العربية، مع تخصيص 20 بالمائة من محتوى الطبعة العربية لمواد تحريرية محلية الإعداد، عربية الطابع. وكانت «العربية» اللغة الثالثة والثلاثين التي تصدر بها المجلة، التي كان أول صدور لها على الإطلاق في أكتوبر 1888م، أي بعد 9 أشهر فقط من تأسيس الجمعية الناشرة لها. انتظرها القراء العرب 122 عاماً حتى وصلتهم أخيراً هذا الشهر بلغتهم، وقد صدرت قبل ذلك بلغات أقل شأناً من حيث عدد متحدثيها، كالعبرية (طبعتان؛ طبعة لعامة اليهود، وطبعة لليهود الأرثوذكس) والبلغارية والنرويجية والفنلندية (عدد سكان فنلندا 5 ملايين، بينما يُقدَّرُ عدد سكان العالم العربي مجتمعين بأكثر من 340 مليونا). ومع أن «ناشيونال جيوغرافيك» تُركز على المواضيع الجغرافية والطبيعية كما يشير اسمها إلى ذلك، إلا أنها تنشر أيضاً مواضيع متنوعة أخرى تتعلق بالتاريخ والآثار والطب والعلوم وعادات الشعوب، ما يجعلها مجلة ثقافية جامعة عالية المستوى. ولم تكتفِ المجلة بالمستوى التحريري الرفيع، بل ركَّزت أيضاً على الصورة «الإبداعية»، كبعد إعلامي أساسي أسهم في انتشار المجلة وذيوع صيتها عالمياً. وقد عملت «ناشيونال جيوغرافيك» منذ بداياتها على استقطاب كبار محترفي التصوير في العالم، ودفع أجور سخية لهم، ونشر صورهم الرائعة بأعلى معايير الطباعة، وبجودة تضاهي جودة طباعة الكتب الراقية. لقد أصبحت «ناشيونال جيوغرافيك» مجلةً برتبة كتاب؛ فهي تُعد سجلاً تأريخياً مُصوراً لجغرافيا العالم، ومرجعاً ثميناً للمعارف والعلوم والثقافات. فلا عجب من رؤية أعدادها مرصوصة فوق الرفوف في بيوت مقتنيها ومحبيها، تماماً كمجلدات الكتب القيِّمة. المثير في مسيرة المجلة أنها استطاعت الصمود والنمو في زمن «الغُثاء» الإعلامي، حيث تجاوزت بمحتواها الرصين توزيعاً وانتشاراً الكثير من المجلات الضحلة ذات الاهتمامات السطحية. ويباع منها شهرياً الآن ما يفوق الثمانية ملايين نسخة، ويقرأها أكثر من 40 مليون قارئ في أنحاء العالم. ولم تستسلم «ناشيونال جيوغرافيك» لسطوة الإعلام المرئي التجاري الذي بدا مُكتسحاً وطاغياً، بل دخلت وبقوة في مجال التلفزة بقناة مرئية رائعة، تبعتها باقة قنوات فرعية (الصغار، المغامرات، الحيوانات... الخ). وهذا أكبر رد على كل من يقول أن «لا رهان على الثقافة»؛ بل كل الرهان على الثقافة الحقيقية إذا أخرجناها من أطُرِها النخبوية وقيودها التقليدية، ثم قدمناها بأساليب مشوقة ومثيرة يستطيع معظم الناس استيعابها وهضمها والتفاعل معها. الجميل أن دخل الجمعية من المجلة والقنوات وباقي المنتجات الثقافية الأخرى يذهب لإعادة تمويل برامج الجمعية، ورعاية البعثات العلمية، والرحلات الاستكشافية، والأبحاث التطبيقية، والمسابقات الأكاديمية، والمعارض المتنقلة. فالجمعية، مع كل هذا النجاح التجاري، إلا أنها في النهاية مؤسسة مدنية غير ربحية. تذكرني «ناشيونال جيوغرافيك» بمجلة «العربي» الكويتية في عز تألقها، الذي خفَت ثم تلاشى. لقد تهاوت مجلاتنا الثقافية المحلية لأنها سقطت في مستنقع الجمود والتقليدية من ناحية المحتوى، وتناست الجانب الإبداعي في عملية الإخراج. لا أعرف مجلة عربية ثقافية لديها «مدير إبداعي» محترف مسئول عن إخراجها فنياً، أو حتى «كبير مصورين» على قدر عالٍ من الاحترافية. بل إن كثيراً من مجلاتنا الثقافية اهتمت للأسف بالجوانب الفكرية ذات الطابع الإيديولوجي وبالمواضيع الجدلية الغارقة في شؤون الماضي، أكثر من اهتمامها بتقديم محتوى عصري إنساني مفيد يثري ثقافة القراء، حتى بات القارئ العربي يعيش فكرياً في الماضي بكل ما فيه، غير مواكبٍ لحاضره، ولا مدركٍ لنبضات مستقبله. شكراً من القلب لشركة أبو ظبي للإعلام التي بدأت في إخراج كنوز معرفية تُسهم في إثراء العربية بترجمتها ونشرها لفرائد المحتوى الغربي. شكراً لها من القلب مرةً أخرى لأنها أخرجت لنا قبل المجلة قناة «ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي» الرائعة من رحم التشفير التجاري، سدَّت بها ثغرةً كبيرة في مجال الترفيه المرئي الجاد باللغة العربية. [email protected]