فاروق أحمد ــ اليوم يعيش العشرات في حي الثقبة, أحد أشهر الأحياء في محافظة الخبر, دون معرفة بواطن تاريخها والتحولات الاجتماعية التي جرى عليها, حيث كانت مركزا مهما لاستقبال القادمين من مملكة البحرين, ويقطنها حاليا عدد كبير من المواطنين الذين يعملون في الشركات الصناعية والمؤسسات التجارية داخل المنطقة بعيدا عن أقربائهم بالإضافة إلى وجود مجموعة كبيرة من العمالة الأجنبية.
الثقب أو الثقبة
استمدت الثقبة اسمها قديما من منبع مياه كان مصدرها شقا صغيرا عرف باسم الثقب وكان الناس ينسب مكان إقامتهم الى هذا الثقب فيقول جئت من الثقبة وأصبحت الثقبة علما معروفا في المنطقة الشرقية رغم عمرها الزمني القصير الذي يصل الى نصف قرن او يزيد نسبة للمدن القديمة ذائعة الصيت, ويقول عبدالله الثميرى: إن مدينة الثقبة سميت بذلك نسبة إلى نجم ثقب الأرض وأخرج منها الماء, و سميت بالثقبة و مكانها الآن في مسجد شارع مكة الذي فيه مغسلة الموتى الآن ، وأسس الثقبة عمال أرامكو الذين يعملون فيها و سكنوا فيها و أتذكر أنها كانت بيوتا خشبية و شوارع رملية كما كان يفصل بين الثقبة و الخبر طعوس و كثبان رملية وكان أول يعرف بمستشفى الشرق الذي بني في الخمسينيات الميلادية ( الدوسري الآن ) بين الثقبة و الخبر و كان شارع 20 طريق اتجاه واحد يصل الثقبة بالصبيخة إلى أن جاء شركة ارامكو والبنك العقاري عام 1395هـ و انتهت البيوت الخشبية وصناديق و تغيرت الثقبة.
بساطة الحياة
ويضيف عبدالله الثميرى , أن الترابط الأسري في الحي يسود الناس والألفة والتكافل فإذا أراد أحدهم أن يبني منزلاً فزع إليه الجميع بالمساعدة وما أبسط المنازل حينها كانت من الطين وصنادق ومواد البناء من البيئة التي نعيش فيها وكانت البيوت مفتوحة على بعضها وكان يفصلها الدهليز وكان البيت الذي يطبخ فيه الأكل يوزعها بين الجيران ولم تكن النقود متداولة بمفهومها الحالي إنما كانت هناك بعض العملات منها القروش أو الحديد وكان قرش واحد يكفي مصروف الجيب بل كان الناس يتبادلون البضائع على نظام المقايضة القمح بدل التمر والشعير بدل التوابل والأشياء الأخرى الضرورية، وأشهر الأسواق في ذلك الوقت سوق الحريم وكانت توجد بضائع كثيرة فيها وكانت رخيصة جدا وكنا نستخدم الكاري الذي يوصلنا إلى بيتنا وكان الناس يأتون إلى شرق الثقبة الذي يسمى الأن حي البيونية لقنص الطيور بسبب كثرة الطعوس وكنت أذكر كذلك لا توجد عمائر في ذلك الوقت إلا عمارة الثميري وعمارة الخييلي الدوسري فيما بعد.
الكتاتيب والتعليم
ويتحدث شوقى المتعب, عن رحلته التعليمية في حي الثقبة قديما, يقول عن نفسه " درست قبل التعليم النظامي في الكتاتيب عند المطوع العـم ناصر العمانى رحـمـه الله , وكان المسجد وسط سوق الثقبة, ثم درسنا في اول مدرسة نظامية وهى مدرسة عمر المختار بالثقبة , وهي من المدارس التي بنتها أرامكو في حي الثقبة وكان مديرها الاستادالفاضل محمد عبدالغفور , قبل التحاقنا بالمدارس النظامية وبعد بلوغنا الخامسة كنا نذهب للكتاتيب لتعليم القرآن ومبادئ اللغة العربية، ويقوم بتعليمنا (المطوع) وكنا نحشر أنفسنا في مكان ضيق جدا بسبب كثرتنا , أما أجر معلمنا فكان تمرا وعيشا يجمعه له أهل الحي وجماعة المسجد , واذا ختم أحدنا القرآن كنا نحتفل به ونزفه, وكان للأمن دور مهم في ذلك الزمان وكان يسمونه "عسة" وكانوا يحرسون أمن الحي وكان العمدة له هيبته أكثر من رجال العسة.
الزواج والحج ويضيف المتعب, في زمننا الزواج بسيط , ولا يوجد تباه كما فى هذه الايام وكانت تعم الفرحة الجميع وكانت الأم في ذلك الوقت هي التي تختار لابنها وتقوم بوصفها له من أخلاق وجمال ومقدرة على تحمل الصعاب والمشاركة في التعب والمشاق وإذا تمت الموافقة يأتي دور الرجال في الاتصال وإتمام الاتفاق, وأيضا كان الحجاج والمسافرون يتسابقون في تسجيل أسمائهم للحاق بركب الحجاج وإذا اكتمل العدد بدأ الإعلان عن وقت الرحلة ليستعد الحجاج في شراء مستلزماتهم الضرورية من عيش وحطب وماء وأغراض أخرى، وعادة ماكانت تبدأ الرحلة في الصباح الباكر حيث يتجمع الناس لتوديع الحجاج وهم يهللون ويكبرون,وفي زماننا
كان الناس متجمعين متزاورين، فالنساء يتجمعن بعد صلاة العصر من كل يوم لتناول الأحاديث الودية وكذلك الرجال قريباً من المساجد كانوا يجلسون ويتسامرون بعد صلاة العشاء ويعملون على حل بعض المشاكل التي تعترض الحي أو القرية، ولدرجة ترابطنا وتفقدنا لبعضنا أنه كنا نوزع الصدقات والزكوات على جميع الفقراء والمساكين.
صورة رمضان
وأشار إبراهيم المبارك, إلى أن صورة حي الثقبة عالقة في ذهني في رمضان ، أتذكر مسحراتي الذي نسمعه في وقت السحور وكأني ذهبت بعيداً فى آفاق الماضي, وهو يردد: تسحروا ياصيام عليكم ويعيدها عليكم كل سنة, وكنا نعطيه أرز أو بر وغيرها من جود وكان يوم العيد الأضحى من أجمل أيام حيث كانوا يجتمع الجيران ويحتفلون بهذه المناسبة الجميلة ويتبدلون التهاني والحديث في هذا اليوم ولا ننسى القرقيعان وكنا نحن الاطفال نجتمع ونطرق كل باب بهذه المناسبة في كل حي فرحين لجمع القرقيعان ونحن في قمة البهجة والفرحة, والرياضة في الماضي كان يتجه اليها الشباب بحب ورغبة لتحقيق ذاتهم بجميع مستوياتها حيث كان هناك ملاعب مفتوحة منها الملعب الأبيض والملعب الشوقي وكان التحدي هو شعارنا وكان في ذلك الوقت يوجد مقررات للنادي عبارة عن بيوت مستأجرة للنادي الرياضي واسمه نادي الثقبة الذى كان موجودا في ذلك الوقت شارع الخرج بالثقبة.
أيام الدراسة
ويضيف المبارك, إن الدراسة في الماضي لها جمالها حيث كنا نخاف من المعلمين ونحترمهم, ونرتعب منهم لشدة استخدامهم العصا كثيرا حتى اننا حينما نلمحهم بالشارع نهرب ونختبئ في المنازل, وكان المعلمون اكثرهم من الوافدين من مصر وفلسطين وسوريا والأردن والعراق وكانوا من أميز وأفضل المعلمين, حيث كنا نسافر من الشرقية الى الرياض غالبا بواسطة القطار والذي كان يأخذ من الوقت الى 7 ساعات احيانا.
تأثير ارامكو
وكان لارامكو اثر كبير في الحياة الاجتماعية و العملية بالمنطقة الشرقية وذلك نتيجة ما تبذله من برامج عديدة توعوية و اجتماعية وصحية ورياضية لخدمة المجتمع, والحديث للمبارك, يقول "أتذكر منذ أن كنت طفلا البرامج التثقيفية التي تأتي بها ارامكو في المدارس والساحات العامة في البلد عن طريق الافلام والنشرات والمكتبة المتنقلة و بناء المدارس و المستشفيات والمراكز الترفيهية . و في اواخر الخمسينيات، فارامكو في بداياتها قدمت جميع الخدمات للمواطنين لهذا كان التأثير كبيرا جدا على اهالي المنطقة واصبحت ارامكو في ذلك الوقت الطموح لمعظم شباب المنطقة بالالتحاق بها حتى فرضت اسلوبها وقيمها على معظم الاهالي العاملين وغير العاملين بها اعتقد ان ارامكو ساهمت في بناء مدارس نموذجية وتعد مفخرة للمنطقة وكل مدرسة معلم حضاري في المنطقة.
العوائل القاطنة
وكانت ابرز العوائل التي كانت تسكن في الثقبة في ذلك الوقت, عبارة عن جماعة نزحوا من المجمعة و سدير و يعملون في ارامكو سكنوا في طرف الثقبة الشرقي و سميت حارة المجمعة و منهم الشبيعان و التويجري و البعادي والثميرى و المديهيم و العسكر و الحجي و الباعود و الركبان و الورثان ـ الهواجر والنعيم والخوالد و الدواسر العجمان وآل مرة و السبعان و العتبان. أما الآن أهل الثقبة الأساسيون فقد نزحوا منها إلى الدوحة بالظهران و الدمام و شمال الخبر وغيرها من الاحياء الجديدة, وتعد الثقبة إحدى المدن التابعة لمحافظة الخبر ويحدها من الغرب طريق الملك فهد المؤدي الى العزيزية والبحرين وشرقا طريق مكة, وحي البايونية في الخبر جنوبا المنطقة الصناعية ومنطقة الاسكان ويوجد في المدينة مرور محافظة الخبر ومركز للشرطة ومركز لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمعية مبرة الاحسان الخيرية ومركز الصحة ومايزيد عن 20 مسجدا ويوجد قرابة 16 مدرسة للبنات و20 مدرسة للبنين ومدينة الثقبة لها تاريخ حافل وموقع متميز, وحي الثقبة الذي كان سكانه قبل عقدين من كبار موظفي أكبر شركة للنفط بالعالم أرامكو السعودية وبعض التجار من حاضرة نجد، ومنها خرج سكان أصبحوا الآن أعضاء بمجلس الشورى، هؤلاء الرجال وعائلاتهم كانوا من أوائل سكان هذا الحي.
أسواق الثقبة
سوق الثقبة من أنشط الأسواق التجارية والشعبية في الشرقية وذلك بسبب رخص الأسعار وتنوع البضائع وكثرة مرتاديه، واشتهرت الثقبة «بسوق الكويت» الذي يعود إلى أكثر من عقدين وتم تحديثه بنظام البناء الحديث، والسوق الشعبي أو في سوق الحريم في الثقبة دخلت السوق وكانت النساء جميعهن فوق سن الخمسين، والسوق أشبه بالعشش الذي يعتمد في طريقة عرضه على «البسطات»، ويضم العديد من الحاجات النسائية ومواد العطارة , ومجمع الجمعة من المجمعات الحديثة في حي الثقبة ومن أهم مراكزها التجارية ويتميز بأسعاره المناسبة والجيدة نوعا ما مقارنه بالأسواق الأخرى, ويقع مركز الجمعة في نقطة التقاء شارع الرياض بشارع ثلاثين, ويعد شارع مكة وشارع العشرين من أشهر الشوارع في محافظة الخبر.