إذا صحّت الأنباء التي رددتها وسائل إعلامنا المحلية بالأمس، عن نقل 4 كتّاب عدل من سجن جدة لمحاكمتهم في الرياض، على خلفية تهم بإفراغ صك وهمي لعدة أشخاص، لأرض تتجاوز مساحتها مليونين ونصف مليون متر مربع شمالي جدة.. فهذا يعني أننا أمام مرحلة لا تراجع فيها عن الضرب بشدة على كل من تسول له نفسه مخالفة النظام العام، مهما كان وأينما كان. ولأن المجتمع ينشد تحقيق العدالة، ممن كان يفترض فيهم العدالة، باعتبار أنهم كتابها، والمدافعون عنها، فإنه بالتالي يصبح من الضروري للغاية، أن تكون هذه المرحلة عنواناً لما نرفعه من شعارات الإصلاح والشفافية والمساءلة، وكلها وسائل لا تنتقص من العدالة، بل تعززها في أذهان المواطن المغلوب على أمره، وهو يرقب العديد من الكوارث وهي تحدث أمامه دون أن يسمع عن نتيجة ما، لن نقول إنها تشفي غليله، ولكن لتحقق له معيار الالتزام، والقدوة، والثواب والعقاب. نعرف أن مهمة ثقيلة، كإصلاح مرفق القضاء، لن تكون يسيرة على الإطلاق، ونعرف أن ميراث عقود من البيروقراطية والجمود، لا يمكن إزالتها ومحوها هكذا ببساطة أو بجرة قلم، ونعرف ونسمع ـ وربما دون أن نتكلم ـ عن حالات كثيرة من التعدي على أراضي الدولة، ومن منحها بصكوك وهمية، لأشخاص وهميين، ساهم فيها بعض النافذين في مرافق عديدة من الدولة، وللأسف مرّت وكأن شيئاً لم يحدث، ونعرف أن قرارات مهمة، لم يعبأ بها أحد، لم تطبق، ولم تنفذ، ومع ذلك ساهمت تراكماتها في إيذاء الآلاف من أبناء هذا الوطن.
ولأن يبدو أننا لا نصحو إلا على كارثة، فقد أفقنا متأخرين جداً، إذ فتحت لنا كارثة سيول جدة الأبواب على مصراعيها، لندرك بعض الفساد الإداري الذي نغرق فيه دون أن ندري، ولكن لم يكن باستطاعة أحد أن يفعل شيئاً، لولا أمر الملك بلجنة تحقيق عاجلة، ومحاسبة كل متورط أو مفسد. الإشكالية أننا لم نتعلم بعد كيف نبدأ بأنفسنا، أو كيف نبدأ من القاعدة، دائماً ما ننتظر أن يأتينا الإصلاح من أعلى، أو بقرار، لا أعرف، لماذا لا يبدأ كل في موقعه بنفسه، بإصلاحها ومخافة الله، لو صلحت القاعدة، لاستطعنا الارتقاء عبر درجات السلم، دون أن نسمح لسوس التسلل بالنفاذ والتخريب. الطريقُ صعبٌ، أعرف، مجهدٌ.. نعم، شائكٌ.. ربما، لكنه الجهاد الأعظم في كل الأحوال.