DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

خالد السالم

خالد السالم

خالد السالم
خالد السالم
أخبار متعلقة
 
كان عملي سابقاً في مؤسسة «شبه حكومية» فرصةً لي للتعرف عن كثَب إلى البيروقراطيين وما يتحلون به من صفات كثيرة ومَناقِب عديدة، تُميِّزهم عن غيرهم من الإداريين الآخرين من شتى الأنماط. عرفتُ أن داخل المؤسسة البيروقراطية بيروقراطيين صالحين، تنبض قلوبهم محبةً وإخلاصاً لأسلوب عملهم الإداري، ويدعون الله دوماً بألا يغيّر عليهم ما هم فيه من نِعم لا تُحصى، كالراحة والأمان الوظيفي وطول الأمل في الترقيات والعلاوات. أهم صفة من صفات البيروقراطي الصالح هي أنه لا يصنع القرار، بل يطبخه طبخاً متأنياً على نار هادئة. فالوقت مورد متوافر بكثرة، ويجب الاستفادة من وفرته إلى أقصى حد. البيروقراطي الصالح لا يحس بمرور الوقت، لأنه يستمتع بكل دقيقة منه في تأدية عمله. لذا تجده يأخذ لعمله ما شاء من الوقت، فعمل اليوم قد يؤدَّى غداً، أو بعد غد، أو بعد بعد غد. وكلما استغرق وقتاً أكثر في تأدية ما طُلِب منه، صار احترامه وتقديره لذاته أكبر. البيروقراطي الصالح لا ينفك عن ذكر مديره العام، تراه يلهج بذكره في الليل والنهار، ولا يذكر كلمة «المدير» في السر والعلن إلا ويُردفها بقرينتها المحببة كلمة «سعادة»، ليُظهِِر كلما كرّرها مدى سعادته بوجود «سعادة المدير» - أدام الله ظله - في حياته، وأثره «طويل الأمد» في نشوئه وتطوره. البيروقراطي الصالح إنسان اجتماعي بطبعه، لذلك تجده يحض دوماً على «الاجتماعات»، ويدعو لها، ويحضرها ويترأسها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويحرص على إقامتها على وجهها الصحيح. فلقاء إخوانه البيروقراطيين على مائدة واحدة، هو الهدف الأسمى الذي يسعى إلى تأصيله وتحقيقه وإنجازه. تراه دوماً يُتبِع «الاجتماع» بآخر، ويقضى في ذلك مع إخوانه الساعات الطوال للبحث والنقاش في حلول تحول دون حل «الاجتماع» القادم وضمان استمرار انعقاده. البيروقراطي الصالح قارئ جيد، نذَر على نفسه أن يبدأ كل صباح ومساء بقراءة كامل صفحات كتاب «الحضور والانصراف»، للتأمل في حال من حضر من البشر ومن غاب، ومن تأخر أو اعتذر أو خاب في إدراك هذا وذاك، وهي قراءة يخرج منها بكامل الخَبَر ومجمل العِبَر في الصبر والمثابرة والإصرار في ملاحظة كثرة الأسفار وابتكار الأعذار. البيروقراطي الصالح يُشفق على إخوانه من حمل المسؤولية، لذا تجده كلما ارتقى يحرص على أن يحمل عنهم الصلاحيات ليضعها فوق كاهله وحده، خوفاً عليهم من تحمّل الأعباء الثقيلة والأوزار الخطيرة للمسؤولية، وحفاظاً على نفسياتهم ومعنوياتهم، وحفظاً على أعمارهم من الضياع فيما لا طائل من ورائه، وفي هذا لعمري قمة الإيثار، وأجمل صور إنكار الذات التي رأيتها في حياتي. البيروقراطي الصالح يكره المِراء، ويُبعِد عن القيل والقال وكثرة الجدال، لذا تراه لا يخالط العامة، ولا يخوض معهم في همومهم ومنغصات يومهم، ولا يتعرض لهم ولا يسمع شكاواهم ولا عذلهم، ففي ذلك حفظ للأوقات وبُعد عن الشبهات، وصون للنفس عن أهل الفتنة والحسَد، من السفهاء والموتورين وأرباب النكد. البيروقراطي الصالح يرى أن المال فتنة عظيمة، ويرى أيضاً في المنصب فتنة أعظم من المال، لذا تجده يقتر على من حوله من إخوانه في الترقيات والعلاوات والمكافآت والانتدابات، خوفاً عليهم من أن يُقبلوا على الدنيا ويتعلقوا بها ويتحاسدوا عليها وينسوا الآخرة، ففي المناصِب نَصَب شديد، والمال في النهاية إلى زوال، والدنيا فانية. لذا تجد البيروقراطي الصالح يحرص دوماً على أن يُزهِّد إخوانه في الأموال والمناصِب، ففيهما الشر كله. والحديث ذو شجون.. تابعوني! [email protected]