DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

خالد سالم السالم

خالد سالم السالم

خالد سالم السالم
خالد سالم السالم
أخبار متعلقة
 
كنت أسمع عن «البيروقراطية»، ولم أكن أعي معناها تماماً، حتى دخلت إحدى قلاعها، وصرت جزءاً منها، فعرفت يقيناً أنها نظام إداري مترهل، يُقدّس الورَق، ويُكبِّل العمل والتقدُّم بسلسلة طويلة من الإجراءات المملة، على حساب «الإنجاز». البيروقراطية الأصيلة لا تكترث بالإنجاز، فأكبر همّها التشبث بالصلاحيات، وحماية الامتيازات المُكتسَبة، والرضا بذلك «الناتِج» الهُلامي! البيئة البيروقراطية بيئة طاردة للكفاءات، لذا لا غرابة بأن يصف أحدهم البيروقراطية بـ«الآلة الضخمة التي يحركها الأقزام». لقد كان مكان عملي السابق أنموذجاً مثالياً للبيروقراطية. كانت أغلبية الموظفين تُظهِر وتُبطِن التذمر الدائم، وكانت الاستقالات لا تُحصى. وبسبب الإجراءات الطويلة التي تؤخر العمل، كانت المهمات قليلة، فشجَّعَت أوقات الفراغ الطويلة على ظهور الإشاعات وانتشارها، وأدى ذلك إلى هبوط معنويات الموظفين، بسبب تضرر صورة المنظومة بكاملها بفعل الإشاعات. الإدارة العليا في المنظومة البيروقراطية هي أس المشكلات؛ فهي التي تعمل على خلق الثقافة التنظيمية. والثقافة التنظيمية في عملي السابق كانت عبارة عن مجموعة من القِيَم السلبية؛ تقديس المنصب والتراتبية، غياب روح الفريق، غياب الحوافز المعنوية والمادية، بطء اتخاذ القرار، المركزية المستبدة، بُعد الإدارة عن هموم الموظفين، وعدم الاكتراث بالنقد الهادف. كان مديرنا العام في أحد الاجتماعات يقول لنا: «اللي مو عاجبه الوضع، الباب يفوّت جمل!»، وكأن الموظف مجرد «قطعة غيار»، يمكن استبدالها بأخرى في أي وقت. كانت هذه الجملة كفيلة بتدمير مجتمع كامل، وليس إنساناً فحسب! كانت عاقبة هذه الجملة أن استقال الكثير من كبار الموظفين تباعاً وبهدوء تام على فترات متباعدة، وصَعُب بعد ذلك جلب موظفين متمكنين. «الاحترام» أقل شيء يمكن أن يعطيه المدير لموظفيه، وقد أخفق في تقديرهم، وانتصر لكبريائه، لكن خسِر الكثير ممن كانوا حوله! العلاقات في النظام البيروقراطي مُسيَّسة، ومُفْعَمة بالارتياب؛ فكل وحدة إدارية (قِسم أو شعبة أو إدارة) في النظام البيروقراطي هي منظومة مستقلة بذاتها (أو إمبراطورية مُصغَّرة)، ترى في العلاقات مع باقي الإدارات خطراً محتملاً يجب الحذر منه. الوحدة الإدارية في النظام البيروقراطي تسعى إلى تأكيد أهميتها (وأهمية رئيسها) عبر تكوين موانع دخول صارمة؛ فموظفوها يجب ألا يخالطوا الموظفين الآخرين، ولا يتصلوا بأية إدارة أخرى إلا من خلال الرئيس الذي يخاطب بدوره الرئيس الآخر. عند ذلك يصعب التواصل، ويضعف الارتباط، وتقل الكفاءة، وتهبط سرعة العمل وجودته، ويكون الإنجاز النهائي هامشياً. حدث أن رأى مدير إحدى الإدارات أحد موظفيه يتحدث إلى زميل لي مسؤول عن إدارة أخرى، فوبخ المديرُ الموظفَ وهدد بنقله إن فعل ذلك مرةً أخرى! لذة البيروقراطية في فورة نضجها تكمن في«السُلطة المُطلَقة» التي تجعل الإنسان المسيطِر يعتقد أنه يمتلك حتى حريات الآخرين. أبرز سمات النظام البيروقراطي كانت البطء الواضح في اتخاذ القرار، وذلك بسبب الخوف من تبعات المسؤولية. البيروقراطي «الصالح» يؤثِر تأجيل القرار أو إماتته، على اتخاذه وتحمل تبعاته! لذا ابتكر أحد دُهاة البيروقراطية فكرة «اللجنة»، حتى يتأخر اتخاذ القرار، أو تتوزع مسؤولية «دم» اتخاذه على مجموعة أفراد، بدل فرد واحد. ذات مرة، ومن كثرة تذمر الموظفين من الدوام الموزع على فترتين، وبدلاً من اتخاذ قرار حاسم، كوَّن مديرنا العام لجنة من 7 مديرين، لدراسة مدى ملاءمة ساعات العمل، واجتمعت اللجنة 14 مرة، على مدى عام، وكان كل اجتماع يستغرق ساعةً على الأقل. إلى أن تم بعد سنة عمل ورفع تقرير كامل للمدير العام. وكان من المفترض، منذ البدء، أن يتم طلب مرئيات كل مدير على حدة، وحينها سيتم تقديم التقرير في اليوم التالي، وليس بعد سنة.. لكن الذهنية البيروقراطية تأبى ذلك! وبعد كل هذه الأوقات المُضيَّعة في الاجتماعات، ظل التقرير حبيس درج المدير، ولم يتغير أي شيء. والخلاصة، كانت «اللجنة» ولا تزال، الوسيلة البيروقراطية المثلى لقتل أي قرار. الترقية في النظام البيروقراطي لا تضع الأكفأ في معاييرها، بل الأقدم، حتى لو كان «صدئاً» أو منتهي الصلاحية مهنياً. وبجانب الأقدمية، أو ربما تسبقها، تأتي «الطاعة العمياء»، فمن ينجح في تقديم فروض الولاء والطاعة للمدير على الوجه الذي يحبه ويرضاه، يفوز بمحبته وترقياته وعلاواته! وهنا تموت الكفاءات، وتُوأد المواهب والقدرات، وتُدفَن تحت أكوام من المتنفذين المتزلفين والمحنَّطين. تابعوني. [email protected]