كان محور الحديث في الجزء الأول من مقالة التشريعات العقارية أولا ... (1-2) عن أهمية وضرورة وجود تشريعات عقارية. كما تطرق الحديث إلى التشريعات والأنظمة المطلوبة. نواصل المقال في هذا الجزء ... ويتمحور الحديث عن كيفية إنفاذ تلك التشريعات وآليات تطبيقها.
من المتوقع أن يساعد قانونا التمويل والرهن العقاريين على حل مشكلات التمويل العقاري بشكل كبير وذلك من خلال دعم عملية التمويل بضمان رهن العقار رهنا رسميا. كما يتوقع أن يساهم القانونان في زيادة الطلب على امتلاك المنازل، ومن ثم إقبال المطورين على التطوير الإسكاني مما يساعد في تقريب الفجوة بين المطلوب والمعروض من العقارات السكنية. مما لا شك فيه أن قانوني التمويل والرهن العقاريين يؤديان إلى شمول الفائدة لكل أطراف المعادلة العقارية بدءاً من شركة التمويل مروراً بالمطور العقاري والمقاول، وانتهاءً بالمشتري أو المستثمر. ولكن ما هي الآلية التي يتم بها تطبيق قانوني التمويل والرهن العقاريين؟! نقدم فيما يلي بعض المقترحات التي قد تساعد في إنفاذ قانوني التمويل والرهن العقاريين.
1. تفعيل التثمين العقاري المبني على أسس ومفاهيم علمية.
لا يستطيع أحد إنكار ما للتثمين العقاري من أهمية، باعتباره أحد أهم الأسس الاقتصادية لمعرفة قيمة وثمن الممتلكات. للتثمين العقاري أهمية أساسية في احتساب القيمة الأساسية للممتلكات. لذلك فإن عملية التثمين العقاري جوهرية في عمليات التمويل ودراسات الجدوى الاقتصادية. فإذا ما تم تقنينه ووضع الأسس التي تضمن عدالته في التقويم، يكون للتثمين العقاري آثاره الإيجابية على المجتمع، كما أن له آثارا سلبية.
يعتبر التثمين العقاري وسيلة للقضاء على عشوائية الأسعار، والحد من المضاربات الوهمية؛ كما يعتبر أساساً لتنظيم سوق العقار، ومحاولة للسيطرة على تلاعب المضاربين بالأسعار. كما يسهم التثمين العقاري في إيجاد التوازن في العرض والطلب، من خلال إيجاد أطراف محايدة لتحديد الأسعار. إضافة إلى ذلك، يساعد التثمين العقاري في معرفة قيمة العقار، بناءً على المعطيات الموجودة عن حركة السوق العقارية، الأمر الذي يساعد في القضاء على عشوائية أسعار العقار. والأكثر من ذلك، فهو أساس عملية دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع العقارية، وقاعدة معلومات لأسواق السلع (مواد البناء) والخدمات الاستشارية والمالية في وقت بعينه ولغرض بعينه. ويلعب التثمين العقاري دوراً رئيسياً في عملية الاقتراض من المؤسسات المالية، كالبنوك وشركات التمويل العقاري. ويسهم في تطوير ومعرفة حجم الموازنات المطلوبة لعملية تطوير وتخطيط المدن، ويساعد في فض المنازعات لدى جهات الاختصاص. يساعد التثمين العقاري في الوصول إلى سوق عقارية متطورة تخضع لمعايير عالمية موحدة وبمقاييس مدروسة واحدة متفق عليها ووفق معايير حديثة. كما أن التثمين العقاري يعد أحد أهم المقومات التي يستند عليها الرهن العقاري، الذي يتوقع صدور تشريع به ضمن التشريعات العقارية.
فما هو التثمين العقاري؟ التثمين العقاري عبارة عن رأي مستقل لتقدير القيمة السوقية للعقار، يجب أن يقوم به خبير محترف يعتمد على أسس علمية وطرق متنوعة، يقدم رأياً نزيهاً مستقلا لصالح العقار وليس لصالح أي من أطراف عملية التبادل العقاري (البائع، المشتري، المقرض، المقترض). فالتثمين العقاري مهنة متخصصة ومستقلة بحد ذاتها في القطاع العقاري وتلعب دورا مميزا ورئيسيا في عملية الاقتراض من المؤسسات المالية أو شركات إعداد الدراسات الاقتصادية. ولا استدل على أهمية التثمين العقاري بأكثر مما نتج عن الإخلال به من عواقب كارثية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1985، أي ما سمي بـ "أزمة الرهن العقاري". ولعل باستطاعة القارئ الكريم استقراء ما نتج عن تلكم الأزمة من انهيار في جميع قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك المؤسسات المالية. وإدراكا لأهميته وتفاديا لما قد ينتج عن ذلك من كوارث أخرى، فقد تم تأسيس مؤسسة حكومية بمسمى التثمين العقاري تتبع في سلطتها وشرعيتها للكونجرس الأمريكي الذي يعتبر أعلى سلطة تشريعية في البلاد.
إن ممارسة عملية التثمين من أشخاص غير متخصصين تلحق ضرراً بالراغبين في البيع أو الشراء في عملية التبادل العقاري، وفي الجدوى العقارية. ففي غياب الأنظمة والتشريعات العقارية، تقوم مكاتب عقارية بتحديد معايير غير واقعية للقيم، وهي معايير غير مهنية. وتكون نتيجة التثمين العقاري مغايرة للواقع وغير قابلة للتنفيذ. فمن أجل التثمين العقاري الموضوعي، نرى أن تشمل التشريعات تفصيلا لما يلي: وضع نظام للتثمين يتضمن المعايير العالمية التي تكون بمثابة الهيكل الأساسي لعملية التثمين العقاري، تحديد مواصفات ومؤهلات القائمين بالتثمين العقاري، وحصر عملية التثمين العقاري على جهات محددة، الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة وإعادة صياغتها لتتواءم مع واقع السوق العقاري بالمملكة.
2. وضع نظام لتصنيف العاملين في السوق العقاري.
إن عشوائية العمل في سوق العقار أمر ماثل أمام كل ناظر إليه. ولست بحاجة إلى وصف العقار بأنه "بات مهنة من لا مهنة له". ولست بحاجة إلى أن أؤكد أنه ليس كل من عمل في المجال العقاري عقاري متعدد المهام. ينتقص معظم العاملين في السوق العقاري إلى الخبرة في مجال القطاع العقاري، إضافة إلى عدم حصولهم على دورات تأهيلية وتثقيفية.
هنالك ضرورة إلى العمل في السوق العقاري بمهنية واحترافية، يتم بناءً عليها تقسيم الشركات والمؤسسات والعاملين في السوق العقاري إلى تخصصات، وعدم ترك المجال مفتوحا لكل العاملين بالعمل في كل المجالات (بيع، شراء، إدارة، تسويق، تخطيط، بناء، تطوير،...). يمكن أن تكون هنالك شركات تعمل في مجال التخطيط والتطوير العمراني، مجموعة أخرى من الشركات تعمل في مجال تسويق العقار وبيع وشراء المخططات وإدارة الأملاك. يمكن أن تشمل مجموعة ثالثة مكاتب العقار الصغيرة، للعمل في مجال الوساطة العقارية للتوسط بين البائع والمشتري وبين المالك والمستأجر. ومن أجل الابتعاد عن الممارسات غير المنظمة في عمليات بيع وشراء العقار، على سبيل المثال لا الحصر، تبرز ضرورة إصدار تراخيص للعقاريين والعاملين في مجال العقار. وفي هذا الجانب نرى أهمية وضع معايير خاصة لممارسة كل مهنة من مهن العقار، واشتراط التأهيل والتدريب للترخيص الرسمي لمزاولة المهنة.
3. إيجاد سوق ثانوية:
بعد أن يتم إصدار القوانين المنظمة للعمل في السوق العقاري، مثل قانوني الرهن والتمويل العقاريين، والتي بموجبها يتم إنشاء شركات تمويل عقارية تساعد في توفير التمويل اللازم لعمليات التطوير، تبرز الحاجة إلى إيجاد سوق ثانوية من أجل تداول الرهون العقارية، حتى تتمكن شركات التمويل من استرداد بعض قروضها. أضف إلى ذلك، فإن وجود سوق عقارية ثانوية ضروري من أجل ضمان استمرار تدفق رأس المال إلى المشاريع التطويرية.
ولعل من المفيد للقارئ الكريم التمييز بين أقسام السوق العقاري وتحديد مهام كل منها.
كغيره من الأسواق يتكون السوق العقاري من قسمين: سوق أولية وسوق ثانوية. فالسوق الأولية هي السوق التي يتم فيها إصدار وضمان وتسويق خدمة الرهن العقاري بواسطة مؤسسات التمويل العقاري، مثل شركات الرهن العقاري، والبنوك التجارية، بنوك الادخار، مؤسسات الادخار والإقراض، وأجهزة تمويل الإسكان المحلية. وتقدم مؤسسات التمويل العقاري الخدمة لمشتري وبائعي العقار بواسطة مجموعة عقارية معاونة تتمثل في الوسيط العقاري، وتقييم الرهن العقاري، الوكيل العقاري، شركات التأمين، وكالات الاستعلام الائتماني، وكلاء إنهاء تسوية الرهن العقاري. أما السوق الثانية، فهي السوق المعروفة باسم السوق الثانوية وهي السوق التي يتم فيها إعادة بيع حقوق الرهون العقارية من الشركات المصدرة للقروض الى مؤسسات أخرى تقوم بتحويل تلك الحقوق الى أوراق أو صكوك مالية يمكن تداولها في البورصات المالية بضمان الرهون العقارية. وتسمى تلك العملية بـ "التوريق". تمكن تلك العملية شركات التمويل من استرداد جزء من قيمة القروض الأصلية لإعادة ضخها في سوق العقارات الأولية.
4. وضع تشريعات لفض المنازعات الإيجارية والعقارية. ويمكن أن تتضمن تشريعات فض النزاعات ما يلي:
إنشاء لجان متخصصة في النظر في النزاعات، وإنشاء محاكم عقارية متخصصة، إلزام الجهات المتعاقدة بختم العقود لدى اللجان المتخصصة.
5. تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر:
من أجل الحد من الارتفاعات في معدلات الإيجارات، يمكن أن يحدد التشريع نسبة مئوية محددة كزيادة سنوية في القيمة الإيجارية في حالة تجديد عقد الإيجار لمدد مماثلة. كما تتم مطالبة وإلزام المستأجر بإصلاح الأعطاب الناتجة من الاستخدام غير العادي للعقار المؤجر.