أخبار متعلقة
أدى استيلاء الرواية على لقب «ديوان العرب» من الشعر إلى تحولها، كما يبدو، إلى السلعة الأكثر رواجا في سوق الكتاب العربي، إلى حد أنها أصبحت الدجاجة التي تبيض ذهبا، خصوصا عندما تأتي مبهرة بالإثارة ومناوشة للتابو بأنواعه المختلفة. وقد دفع رواج الرواية وتحقيقها أرقام مبيعات عالية بعض الناشرين إلى فكرة التعاقد خصوصا مع بعض الروائيين الشباب المحتاجين للمال والشهرة السريعة لتأليف روايات حسب شروطهم ووصفاتهم الخاصة للأفكار والموضوعات والأحداث الرئيسة.. بكلمات أخرى، بعض الروايات العربية الآن ليست إلا طبخات تعد في مطابخ بعض الناشرين.. فما رأى الروائيين المصريين في هذا الأمر؟
العمري: أكتب لأن عندي هموم وليس بناء على رغبة أي شخص
حالة لم نصلها بعد
يؤكد الروائي محمد عبد السلام العمري أن ظاهرة «مطبخ الناشر» موجودة في السينما فقط، ويقول: أظن أن هذا النوع من الكتابة موجودة في الكتابة للسينما أو للتليفزيون، فيكلف المنتج الكاتب بكتابة قصة معينة تتضمن أحداثا بعينها حسب اختيارات البطل، أي تفصيل الأحداث بحيث تليق بالبطل، أما الرواية فلا أعتقد أن الأمور فيها تسير بهذا الشكل الذي يجعل الناشر يغري الكاتب على أن يكتب أحداثا معينة أو بشكل وشروط معينة، فلم تصل المسألة إلى هذه المرحلة بالنسبة للرواية، وقد يحدث هذا في أوروبا أو أمريكا، حيث يكلف بعض الناشرين الكتاب بكتابة أعمال معينة حسب متطلبات السوق، أما بالنسبة لمصر والوطن العربي، فالناشر لم يصل بعد إلى هذه الدرجة من التضحية، لأن مسألة النشر لا تزال صعبة على الروائي الذي لا يزال يسدد للناشر أموالا كي ينشر له وليس العكس، وعلى حد علمي فإن الموجة الجديدة من الأدباء والناشرين كلها تسير على هذا النظام، إلا دور نشر قليلة جدا لها تقاليدها واحترامها لا تتقاضى أموالا من الأديب، لكنها قد تشترط أن تنشر له بلا مقابل.
ويضيف: أن الأجيال الجديدة لم تقف بعد على أقدامها ويترسخ إبداعها حتى يكون لها قارؤها الخاص، ولا أرى أن الناشر يقدم لهم الشهرة أو المال، بل يحصل منهم على المال، بينما تعتمد الشهرة على عوامل أخرى مثل علاقات الكتاب خاصة مع الإعلام، وإبداع الكاتب نفسه، وفي جميع الأمور فإن الإبداع الجيد يفرض نفسه سواء كان مع ناشر يتقاضى أو أن يدفع أموالا للكاتب.
وعن موقفه إذا عرض عليه أمر بهذا الشكل، يقول العمري: لن أوافق أبدا، لأني لا أكتب لأحد، بل أكتب لأن لدي همومي الخاصة التي أريد أن أعبر عنها، وقضاياي الخاصة التي أسعى لمعالجتها، ولم ولن يحدث أن أكتب بناء على رغبة أي شخص.
التعميم مرفوض.
ويرفض الروائي محمد القصبي الاعتراف بتعميم هذه الظاهرة في مصر، ويقول: هناك دار أو داري نشر فقط في مصر هما اللتان تبحثان عن سمات معينة في الروايات المنشورة، وقد تكون هذه الظاهرة منتشرة بالفعل في دول عربية أخرى، لكنى أرى أن المشكلة الرئيسية للأدب بشكل عام هي تعرض قارئ الأدب العربي للانقراض، بدليل أن طبعات روايات نجيب محفوظ لم تعد تتعدى 1500 نسخة، وهذه المشكلة ألقت بظلالها على دور النشر، فقد وضعت الناشر في مأزق تاريخي، فهو يود أن ينشر ويربح، ولكن انقراض القارئ جعله يصبح حذرا في التعامل مع الكاتب، والكثير من دور النشر المصرية توقفت عن النشر وأغلقت أبوابها أمام الأدباء، لدرجة أن الأدباء أصبحوا يعقدون صفقات مع الناشرين فيدفعوا مقابل النشر، وأنا ألاحظ بشكل عام أرى أن الناشر يركض خلف الروائي الذي يفوز بجائزة كبرى مثل البوكر، فيقوم بإصدار عدة طبعات له، لكن هذا لا يحدث مع الروائيين الشبان، لكن هناك العديد من دور النشر التي أنشأها الشباب، وتصدر لهم أعمالهم مقابل اتفاقيات مادية يسددها الروائيون، لهذا فظاهرة مطابخ دور النشر ليست موجودة على الإطلاق.
الشهرة لا المال.
وعما إذا كان المال أو الشهرة يمكن أن يمثلا مبررا كافيا لبعض الروائيين للانقياد لهذا النوع من الناشرين، يضيف القصبي: قد تكون الشهرة هي السبب، لأن الأديب لا يحصل من الناشر على القدر من المال الذي يمكن أن يشكل عنصر إغراء، ولكن الإغراء الحقيقي في رغبة الكاتب في النشر والشهرة، وأنا شخصيا لو تلقيت هذا العرض فلا يمكن أن أوافق عليه، فأنا لا أسمح لنفسي بفعل ذلك، لأني حددت أهدافي منذ بدايتي، فما يأتيني من الأدب هو مكسب وما لا يأتي لا يعد خسارة، ولا أكتب إلا لشيء بداخلي يريد أن يخرج، لكني لا أسمح للناشر بالتحكم في عملي.
وسيلة أخرى للنشر.
أما الروائي الشاب محمد فتحي الحاصل على جائزة ساويرس في الرواية لهذا العام، فيبدي اعتراضه على هذا الأمر، مؤكدا أن الأديب المحترم لا يقبل على نفسه أن يكون طباخا لأي ناشر، إضافة إلى أن الروائيين الشباب لا يطمعون في المال والشهرة، بل يطمحون لمكانة تجعل القراء والنقاد يعترفون بهم بعيدا عن ميراث الستينيين الذين يحاولون حتى الآن التشبث بالمشهد وإغلاق كل النوافذ أمام المبدعين الشباب.
ويضيف: إذا اعتبرنا أن هناك بعض الاستثناءات التي تجعل من حدوث هذه المهزلة أمرا واقعا فالحل الوحيد، من وجهة نظري، هو ما يفعله بعض الشباب الآن من تحطيم لأسطورة النشر الورقي، ونشر إبداعاتهم بوسائط أخرى مثل الإنترنت وغيرها من الفضاءات التي لم يدخل لها النقاد حتى الآن ولم يعترفوا بها رغم أهميتها.
مهزلة جديدة.
وعما إذا كان المال أو الشهرة يمكن أن يمثلا مبررا كافيا لبعض الروائيين للانقياد لهذا النوع من الناشرين، يقول فتحي: من السهل أن أجيب على هذا السؤال لأني لست في موضع هؤلاء الشباب، لكن يجب أن نلتمس الأعذار لبعض هؤلاء الشباب الذين يريدون أن يتواجدوا أو يجدوا لأنفسهم مكانا رغم ضعف مواهبهم، لكن المبدع الحقيقي لا يقبل على نفسه ذلك، ولا أقبل هذه الظاهرة، فأنا أكتب ما أريد لا ما يريده غيري وما يفرضه عليَّ، لأن الكتابة حرية، ولو كانت الكتابة بهذه الطريقة ستحقق الرواج والشهرة فستكون مهزلة جديدة تدفع بالمبدعين إلى سوق النخاسة وليس إلى سوق الأدب والإبداع.
ظاهرة قديمة.
أما الروائي خليل الجيزاوي صاحب دار نشر «سندباد» بالقاهرة فيؤكد وجود هذه الظاهرة، مشيرا إلى أنه تعرض لها في بداية عمله كروائي، ويقول: إن ظاهرة مطبخ الناشر قديمة وليست حديثة، فحينما تعاقدت مع دار نشر خاصة لطباعة روايتي الأولى «يوميات مدرس البنات»، أعطاني الناشر مبلغ ألف جنيه، وبعد رواج وزيادة الطلب على الرواية وتحقيقها نجاحا لافتا ونسبة مبيعات كبيرة جدا، اتصل بي الناشر وطلب مني أن أكتب جزءا ثانيا مقابل ثلاثة آلاف جنيه، وأكد لي أني لو كتبت الجزء الثالث فسيكون هذا مقابل خمسة آلاف جنيه، فرفضت وقلت له إني لا أكتب بهذه الطريقة، ورفضت رغم إغراءاته المتعددة، وأنا أعلم أن بعض دور النشر العالمية والعربية تجري اتفاقات مع كبار الأدباء لكتابة رواية كل عام، لكنها لا تملي شروطا على كبار الكتاب، لكنها تشترط أشياء معينة على الروائيين الشباب، وأنا أعرف دور نشر غير متخصصة في الروايات، ولكنها اتجهت حديثا لكتابة الرواية الشبابية والبوليسية وتعاقدت مع المؤلفين بشرط أن يكتبوا بطريقة ومشهيات وتوابل خاصة ليضمنوا سوق التوزيع، وقد اعترف لي أحد الأصدقاء وهو الأديب مصطفى سليمان أنه خاض هذه التجربة وكتب لهم رواية واحدة بشروطهم ولم يكررها مرة ثانية بسبب الشروط المجحفة التي اشترطوها عليه، كذلك عرفت أن بعض دور النشر تشترط على الأدباء الشبان أن يكتبوا نوعا من الروايات يسمى روايات «الجسد»، وهي الروايات التي تتسم بالجرأة التي تتعدى الحدود، وكلها اشتراطات تحدث في مطبخ الناشر وعلى المؤلف أن ينفذها.
الضمير هو الحل.
ويؤكد الجيزاوي خطورة هذه الظاهرة، مشددا على أنها تفسد الأدب العربي وتسيء إليه، بل إنها تعد جريمة في حق الأدب العربي، وقال إنه لم يحدث أن فرض شرطا واحدا على الأدباء الذين ينشر لهم رواياتهم، لأنه يتعامل معهم كأديب وليس كناشر.
وعن طريقة علاج هذه الظاهرة، يقول الجيزاوي: ليس هناك وازع أو رقيب على الأديب إلا ضميره الأدبي، فعندما يعود الأديب إلى ضميره الأدبي ويحترم قلمه فلن ينزلق إلي هذه الهاوية.
ظاهرة خطيرة.
من جانبها، تؤكد الروائية هويدا صالح خطورة مطبخ الناشر بقولها: هذه ظاهرة خطيرة وتستحق التوقف، فالكتابة حسب الطلب وحسب مقاييس الناشر لن تنتج إلا أدبا يشبه أدب المناسبات مكتوب خصيصا لأغراض معينة مما يفقده الدهشة والطزاجة والبعد الجمالي، ونتائجها أنها حتما ستصنع نوعا من استسهال الكتابة وسطحيتها، وعدم أصالتها، وستغيب أنواعا أدبية مهمة مثل القصة القصيرة على سبيل المثال. أما تبعاتها المحتملة كما قلت ستقدم لنا أدبا مصنوعا وغير أصيل، وستوجه أذواق القارئ إلى أنواع بعينها من الأدب على حساب أنواع أخرى.
وتضيف: المال والشهرة ليسا مبررا إطلاقا، تعودنا أن نكتب الأدب دون انتظار مقابل مادي، وتعودنا أن نكسب عيشنا بعيدا عن الأدب، فالأدب أثمن وأسمى من أن يستهدف الرزق والمكسب فقط، بل له دور جمالي وإنساني يتغلب على أي مكاسب مادية محتملة، فهل نفرغ الأدب من رسالته الجمالية والإنسانية من أجل المكسب، هذا شيء خطير جدا وله عواقب على بنية تفكير المجتمع، فالشباب هم أمل كل مجتمع محترم.
الفضح أحد الحلول.
وعن كيفية الحيلولة دون تورط الكتاب الشباب وغير الشباب من التورط في الكتابة، تقول صالح: لا أعرف كيف يمكن وضع حل لهذه الظاهرة في الحقيقة، لكن ربما تقوم الندوات والتحقيقات الصحفية بفضح هؤلاء الذين يسعون فقط للمكسب المادي ويقومون بإغواء الشباب الساعين إلى المكسب أو الشهرة، والتوعية تتم عن طريق الإعلام أظن ذلك.
وبسؤالها عن موقفها لو قدم لها أحد الناشرين مثل هذا العرض ردت: أنا لا أكتب إلا ما أريد وما أحب وما أشعر بحاجتي لكتابته، هذه قناعتي الخاصة، لست موظفة عند الناشر حتى أكتب من أجل مزاجه الشخصي، وأكل عيشي أكسبه بوسيلة أخرى غير أن أكتب حسب المقاس كما يقولون. أرفض رفضا تاما وحاسما وقاطعا لأنني فقط أحترم نفسي وإبداعي.