DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

محيي الدين محسب

العرب لم ينتجوا مناهج ونظريات نقدية أدبية

محيي الدين محسب
محيي الدين محسب
يرى عدد من الأدباء والمثقفين أن كثيرا من النقاد العرب ينساقون خلف النقد الغربي مبهورين بجاذبيته غير مقاومين له، موضحين أن بعض النظريات النقدية العربية تبدو مستنسخة من النقد الغربي بشكل فاضح. ويعد هؤلاء الأدباء والمثقفون أن ذلك ظاهرة شائعة في الوسط الثقافي، ليس فقط على مستوى النقد الأدبي، بل يزيدون أن كل ناقد عربي مستعصم بنظير غربي، ما يساهم في فصل الناقد العربي عن واقعه. ويطرح هذا الرأي عدة تساؤلات، منها: هل النظرية النقدية العربية عاجزة عن احتياجات الناقد المعاصر؟ وأين وصلت النظريات النقدية العربية؟ وهل هي فعلا غير قادرة على التقاطع والتخاصب مع الحركة الإبداعية؟ وهل لأحدنا أن يقول أن محاولة حشو النظريات بالمفردات الأجنبية في القراءات النقدية يأتي مشابها للسحر اللغوي البائد الذي يحاول إقحام مفردات أجنبية داخل مساقه اللغوي من باب إعطاء النصوص والناقد معا شيئا من التسطيح الفني، والبحث عن الحظوة؟ وهل أن انتشار الرواية كفن غير عربي في الأصل أدى إلى هذا الانفتاح الاستيرادي للنظريات النقدية الغربية؟ توقفت (اليوم) مع مجموعة من النقاد والباحثين الأكاديميين لتناقش معهم هذا المحور. أستاذ النقد الحديث د. صالح زياد رفض أن يكون للنقد هوية من الأساس، ويقول: «ليست هناك نظرية نقدية عربية، مثلما ليس هناك نظرية نقدية فرنسية أو إنجليزية أو يابانية. وبالقدر نفسه، لا يمكن الحديث عن مناهج النقد ومذاهب الأدب من زاوية وطنية أو قومية أو دينية، ما دامت هذه الأمور لا تأخذ معناها النظري والمنهجي والأدبي إلا بقدر ما تحرز من التجرد والتعميم الذي يجعلها منتجاً إنسانياً وعالمياً ليس لأحد الحق في امتلاكه، إلا إذا كان لأحد الحق في امتلاك معنى العقل نفسه!». ويضيف آسفا: «طبعاً، مكاننا العربي غير قادر، مع الأسف، على إنتاج نظريات المعرفة الأدبية والطبيعية ومناهجها، لأن علاقته بالمعرفة مازالت علاقة ضعيفة مبدئياً. وهي علاقة لم تبلغ من تمثل المعنى التجريدي في المعرفة الدرجة التي يجاوز فيها الفاعل المعرفي ما يحجزه في ذاته». وحول النظرية المنهجية في الحقل العربي يذكر زياد: «في الغرب بالمعنى الثقافي وليس الجغرافي، توافر السياق الذي ينتج النظرية والمنهج، أي سياق المجاوزة للذات والتعيين أو التخصيص، ومن ثم تبلورت النظرية والمنهج في مدار القدرة على تجريد وتعميم المركبات الفكرية الصورية المتسقة. ومن الطبيعي، مادام الأمر كذلك، أن يسهم في إنتاج المعرفة النظرية والمنهجية في حقل الدراسات الأدبية والثقافية نقاد ودارسون من جنسيات وثقافات مختلفة، بعض أبرزهم من فضائنا العربي أو من دول العالم الثالث، مثل (الفلسطيني) إدوارد سعيد، و(المصري) إيهاب حسن، و(الهندي) هومي بابا». ويختم زياد حديثه متسائلا: «السؤال عن متابعة الناقد العربي للغربي، ومحاكاته له، لا تطرح بالمعنى نفسه في حقول الطب والفيزياء والجيولوجيا، على الرغم من أن الإجابة واحدة، ودافع التساؤل في الحالتين غير مختلف!». وحول اعتصام المثقف العربي بالمنهج الغربي في حله لقضاياه يقول د. محي الدين محسب: «كثيراً ما يتم النظر إلى المثقفين وكأنهم ليسوا كائنات اجتماعية، أو أنهم بمعزل عن السياق التاريخي الذي يحيط بهم، والذي يؤثر في توجهاتهم الفكرية، ومواقفهم الإيديولوجية، وفي اختياراتهم المعرفية. ولا شك أن هذه نظرة غير سديدة. فالمثقف هو عضو اجتماعي في محصلة الأمر. وعلى ضوء هذه الحقيقة نستطيع أن نفهم القضية المطروحة هنا، وهي ماتسمينه بـ(اعتصام المثقف العربي بالنظريات الغربية والمنظرين الغربيين في معالجاته لقضاياه الفكرية والثقافية والعلمية). فهذه القضية تطرح وتتضمن بالضرورة إشكاليات العلاقة الحضارية بين العرب والغرب على الأقل منذ أن حدثت المواجهات الأولي في القرن ال19، حتى الآن». ويضيف: «لقد رأت الجماعات الاجتماعية العربية، ومن ضمنها المثقفون العرب بطبيعة الحال، الغرب منذ ذلك التاريخ بوجهين: وجه قوة التقدم العلمي والتقني والعلمي عموماً، ووجه تقدم القوة الباطشة نحو استعمار البلدان العربية. وفي سياق هذه الثنائية تولد نوع من ثنائية المواجهة والتعامل مع الغرب. لقد تم تشييد ما أسميه بـ»البلاغة التقسيمية» لهذا الآخر الغربي، وهي بلاغة، أو خطاب تجزيئي له.. فبما أن هذا الآخر الغربي يقوم بالتقسيم والتجزيء الفعليين على الأرض التي غزاها واستعمرها، فإن على خطاب المواجهة أن يقسّم حياته إلى (حيوات) عدة (علمية وعقلية وروحية واجتماعية وسياسية وعسكرية واقتصادية.. الخ). ونحن يمكننا أن نأخذ منه حياته العقلية والعلمية، وأن نستعمل مناهجه ومكتشفاته العلمية. أما الحياة الروحية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية فهي (غير صالحة) لنا ولا لمجتمعاتنا. فنحن إذن أمام صورتين للغرب: صورة غرب الاستعمار والعدوان والحروب الكونية، لا تنافس هذه الصورة إلا صورة غرب التقدم والنظام والعلم والمعرفة والنور والحرية والديموقراطية والفنون والعمارة. المثقف العربي يحمل هاتين الصورتين معاً. يتشكل إدراكياً بهما. ولنقل إنهما استعارتان يحيا بهما ويتحرك بين قطبيهما. ولنلاحظ أنه في كلتا الصورتين فالغرب هو (الفاعل)». وبخيبة يستمر محسب في الحديث: «المثقف العربي يعيش واقعاً مفعولاً به بأنواع متعددة من التراجع الحضاري، وهو يحلم ويتطلع إلى واقع حضاري أفضل، فإنه يستدعي، بوعي أو بغير وعي، تلك الصورة الثانية، صورة الفاعل الحضاري، لعل الاسم يستدعي المسمَّى، ومع ذلك فإن واقعه هذا كثيراً مايفرض عليه طريق الانتقاء الآمن من بين مشتملات كل تلك الصورة. إنه لا يستطيع أن يراها وأن يأخذ بها بوصفها منظومة متكاملة متساندة متآزرة». من جانبه، يقول د. محمد الصفران: «يعد معظم النقاد العرب المعاصرين ظلالا لنقاد غربيين أو غير عرب، لا يعني انسلاخ الناقد العربي من ثقافته وعروبته، لكن النقد الأدبي الحديث يقوم في معظمه على نظريات غير عربية في الدرجة الأولى، ولذلك نجد بعض النقاد العرب مروجا كبيرا لنظرية معينة أو مصطلح معين في ظل غياب التنظير النقدي العربي، وإن وجد التنظير النقدي العربي، فإن النظرة إليه تكون مشوبة بالريبة والحسد وعدم القابلية التداولية في الوسط النقدي والمشهد الثقافي، ولنا أن نتصور لو كان إدوارد سعيد وإيهاب حسن وكمال أبو ديب وأدونيس وغيرهم يقيمون في العالم العربي أو العالم الثالث، فهل ستنتشر نظرياتهم وأفكارهم النقدية بقدر انتشارها بسبب وجودهم في بيئات غير عربية تشجع على التفكير والبحث والإبداع تحفظ الحقوق الفكرية لأصحابها». ويؤكد الصفران «أن الحضارة والتقدم الفكري والثقافي أمور تحتاج إلى مناخ مثلها مثل النباتات التي لا يمكن لها أن تنمو وتزدهر في غياب المناخ المناسب والظروف البيئية الخصبة والمحفزة وهذه الظروف لا تتوافر في العالم العربي ولا حتى بالقدر الكافي لنمو عشبة يتيمة فما بالك بالشجر المثمر». ويضيف مشيرا لتجربته الشخصية قائلا: «لقد طرحت كتابا منذ أكثر من سنتين وفوجئت أن أكاديميا ما انتحل أفكار كتابي وقدمها في بحث في مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث ووجد الحفاوة والتصفيق من الحاضرين في القاعة على جدة الموضوع وطرافة الفكرة، والعجيب أن معظم الحاضرين في القاعة يعرف أن ما قدمه ذلك الأكاديمي يعود إلى كتابي «التشكيل البصري» لكنه لم يشر في بحثه إلى كتابي أبدا، هذا نموذج من النماذج المحبطة في وسطنا الثقافي.. كما أن الحفر في التراث النقدي العربي أصابه الجمود والاقتناع بالقشور ولم يعد أحد إليه بما يليق به من نظر وتعمق وتفحص، لذلك توقف النقد الأدبي العربي عند الحدود البلاغية مكتفيا بالمشبه والمشبه به، وإذا تعمق متداولوه كثيرا وصدعوا رؤوسهم اتحفونا بالمشبه به».
أدونيس
أخبار متعلقة