حتى لا نصطدم بصخرة الواقع ونندم بعد فوات الأوان وحتى لا نعيش أغبياء ومغفلين لفترة أطول، يتوجب علينا معرفة كيف نتعامل مع أنواع السلوك المختلف التي يكتظ بها المجتمع، والحياة تفرض علينا التعامل معها شئنا أم أبينا.
لست من مؤيدي الفيلسوف «فرنسيس بيكون الذي يبدأ بالشك ليصل لليقين، إذ يقول : إذا بدأ الإنسان باليقين فإنه سوف ينتهي إلى الشك ولكنه إذا رضي أن يبدأ بالشكوك فإنه سوف ينتهي إلى اليقين». أنا لا أحب البداية بالشكوك بل أؤيد فكرة فهم الناس على حقيقتهم بقراءة أفكارهم والغوص في أعماقها لنكسب الإيجابيين منهم ونجتذبهم ونعيش معهم فنفيد ونستفيد، ونتجنب السلبيين فنتعامل معهم بحذر حتى لا نتأذى بسلبياتهم.
حسن الظن شيء جميل، لكن الأجمل منه إعمال العقل وتفعيله والتوكل على الله في كل شيء. يستطع الإنسان بإحساسه الفطري وعقله أن يحس بصدق من يتعامل معه من خلال نبرة صوته ونوعية حديثه، وتعبير وجهه. فكثيراً ما فضحت تعابير الوجه وحركات الجسد أصحابها وكشفت المستور . فالأطراف مثلاً ترفض سيطرة أصحابها وتتكلم بصمت ناطق فتميط اللثام عما يدور في الداخل بحركات أصابعها أو ارتعاش جفون العين والجسد أو بعضه مع كل نظرة توجه إليهم وإن صمتت شفاههم.
إذاً أصبح من السهل قراءة ومعرفة أفكار الناس قبل التعامل معهم. بقيت المشكلة الكبرى وهي الأهم، كيفية تقويم السلوك المعوج وعلاجه وجعل المجتمع صحيا خاليا من الأمراض، والأكثر صعوبة عندما يتأصل الداء ويصبح كالعضو في الإنسان من المستحيل علاجه إلاّ بالبتر . فلن ينجح معها علاج وإن هدّأتها المسكنات. الحل الوحيد في هذه الحالة في يد أصحاب القرار المختصين، ونحن كأفراد في المجتمع يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي، فأقل ما نقدمه هو النصيحة، وخيراً لنا وللمجتمع أن نفعل أي شيء يساهم في الخير من ألا نفعل شيئاً. وبما أن المجتمع وردٌ وشوكٌ والواقع يفرض التعامل مع جميع أفراده فلابد إذاً من أن نقرأ أفكارهم ونساهم في تهذيب المريضة منها لنقطف الورد دون أن يجرحنا الشوك، مستظلين بعريش الياسمين ننعم بشذى عبيره.
[email protected] 
