« طيب وحبوب.. ويمكن التفاهم والعيش معه بسلام» هذا ما قالته هديل (23 سنة)، أثناء حضورها دورة عن الرجل والحياة الزوجية في جدة، هديل لا تتحدث عن الطيب والحبوب لكائن حيواني أو عن جهاز الكتروني جديد، لكنها تتكلم عن الرجل الذي من خلال الدورة، وجدت أنه يمكن العيش معه بسلام، وقبل كل هذا يمكن التفاهم معه. السؤال الذي يعصف بأذهاننا، هل ما قالته هديل يأتي من باب المبالغة لفتاة عشرينية مقبلة على الحياة، وفي ذات الوقت مؤهلة للزواج؟ أم أن الفكرة عن الرجل في مجتمعنا لا تزال لكلا الطرفين علاقة متخيلة وغير واقعية، وكل ما يحمله الطرفان عن بعضهما البعض، هو نتاج لمرئيات الآخرين عبر تصورات عشوائية، وفي أحايين كثيرة غير منطقية، وإلا كيف يمكن لفتاة تتصور أن الرجل كائن يمكن معاشرته والتفاهم معه!
حينما ظهر كتاب «الرجل من المريخ، النساء من الزهرة» للدكتور جون غراي، حدث انقلاب كبير في أمريكا، تلاه بقية دول العالم حينما تمت ترجمته. وحينها بدأ الناس يدركون إشكالية التخاطب بين بعضهم البعض، أي بين الجنسين المختلفين ليس فقط في النوع، وإنما في طريقة التعاطي للأمور، المشاكل، الرغبات، الرؤية الشخصية، والتفاعل الإنساني. يمتلك الرجال طباعا وصفات وحتى هويات تختلف عبر زوايا محددة عن الزهرة. وهكذا حدث التحول الكبير، فوجدت المرأة في تلك القوانين المتغيرة ضالتها، واسترخى الرجل وربما ضحك طويلاً، فكثيرة هي تصرفات الزهرة التي تقولها وتعني العكس تماماً. أذكر أني قرأت الكتاب في عمر مبكر وقبل أن يترجم، جاء ذلك بالمصادفة، وسعدت لأنني استطعت حينها أن أفكر من خارج الصندوق، ومن خارج الفكرة التي كان يمكن لي أن أصل لها متأخرة يداً بيد برفقة هديل. في المقابل تطرقت إحدى الصديقات بعد قراءتها للكتاب، بفكرة غير مألوفة، ربما أرادت هي الأخرى أن تكون أفكارها انطلاقة مبكرة، فقد رغبت وبشدة أن لا يقوم المأذون بعقد قران أي متقدم للزواج، إلا بعد التأكد من أنه قد قرأ الكتاب وفهم محتواه، بعد تجاوز الامتحان الذي سيتلقاه من قبل المأذون، وحينما يجد الشيخ أن الراغب في الزواج، قد أجاب إجابات تؤهله للنجاح، هنا يمكن لهُ إتمام عقد الزواج. هذا الامتحان البسيط يمكن أن يكون بديلاً جيداً عن مسألة الفحص الطبي، والتي أجدها غير مجدية، وبها تدخل في الحياة الشخصية للراغبين في الزواج. من المهم أن تأتي ورقة الفحص من ثقافة ووعي الأسرة إن رغبت في ذلك، وإن لم تجد في الأمر سوءا، فيمكن لها إتمام العقد دون مشاكل، لكن الأهم من كل ذلك، أن لا تأتي فتاة لتعلن أن الرجل يمكن فهمه من خلال دورة تدريبية مدتها ثلاثة أيام، إننا بحاجة إلى وعي وإدراك لمستوى الاختلافات يبلغ مداه عشرات السنين!.
