عزيزي رئيس التحرير
من الغريب حقاً أن يوجد اعتقاد عند البعض بأن هناك مفارقة أو تعارضاً بين الإسلام والوطنية!! فهل يتعارض الإسلام مع حبّ الوطن؟؟ لقد فكرت في هذه المسألة وأنا في طريقي لإلقاء محاضرة عنوانها ( حق الوطن على أبنائه) وكانت ثمرة التفكير أنه ليس هناك تعارضٌ بين الإسلام والوطنية؛ بل هناك تعاضدٌ بينهما.
حبّ الوطن فطرة مركوزة في النفس البشرية، فالإنسان يحب البلد الذي ولد ونشأ فيه ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبّ مكة ويتمنى أن يبقى فيها، ولكن المشركين حاصروه وضايقوه ومنعوه من أن ينشر رسالته فاضطر إلى الهجرة ، وهذا ما يؤكده كلامه حينما أراد أن يهاجر ، حيث قال: (( والله إنك لأحب البلاد إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك لما خرجت)) وهذا دليل على ما نقول من أن حب الوطن غريزة في النفس البشرية.
وهذا الحب الفطري للوطن يزداد ويتأكد في الإسلام حينما يكون للوطن مزية مرتبطة بالإسلام، وهذا ما يتوافر في الوطن الذي ننتمي إليه (المملكة العربية السعودية) قبلة المسلمين وبلاد الحرمين الشريفين ، إليه يأرز الإسلام كما تأرز الحية إلى جحرها كما جاء في الأثر.
أما حقوق الوطن على أبنائه فهي حقوق كثيرة، وهي حقوق أمر بها الإسلام وأوجبها على كل مسلم محبٍّ لوطنه الإسلامي، تبدأ من حمايته من أعدائه المتربصين به، وهذا يقع ضمن واجب الجهاد الذي شرعه الإسلام.
ومن حقوق الوطن الهامة هي الحرص على ضمان أمنه واستقرار ، وتجنب كل ما يؤدي إلى الإخلال بأمن الوطن؛ لأن نعمة الأمن والاستقرار أول من ينعم بها المواطن ، ولذا ينبغي على كل مواطن أن يكون عيناً ساهرة على أمن الوطن.
ومن حقوق الوطن على مواطنيه أن يكون كل مواطن مستقيماً ملتزماً بالقيم الصالحة والأخلاق الفاضلة، لأن الالتزام بها يخلق وطناً صالحاً ومجتمعاً فاضلاً بعيداً عن الانحراف والمنحرفين سالماً من الجريمة والمجرمين.
ومن أبرز الحقوق التي ينبغي التذكير بها الحفاظ على مكتسباته ومنجزاته، فأعظم جرم يركبه المواطن في حق وطنه تخريب وتدمير المكتسبات والمنجزات، إن المرء ليأسف حينما يرى مواطناً يقدم على تخريب حديقة عامة أو شارع أو مرفق عام كبيراً كان أو صغيراً، فكم من الأموال والجهود التي تبذلها الدولة في تهيئة ذلك المرفق فيأتي جاهلٌ أو طائش ليخربه ويفسده. ومن حقوق الوطن قيام الآباء بتربية أبنائهم تربية صالحة وسليمة ؛ لأن ثمرة التربية السليمة جيلٌ صالح يسعد به الوطن.
ومن الحقوق قيام كل مواطن بواجبه الوظيفي بأمانة وإتقان، فالتسيب في أداء واجباتنا الوظيفية خيانة للوطن.
والحقيقة أن حقوق الوطن كثيرة، لا نريد أن نستعرضها كلها وإنما نريد أن نشير إلى قضية هامة في هذا المجال، وهي كيف نغرس هذه الحقوق؟؟ كيف نجسدها في واقعنا؟؟وهذا الأمر يتطلب قيام عدد من المؤسسات بدورها في بناء المواطن الصالح بدءاً من الأسرة ثم المدرسة ثم المسجد ثم وسائل الإعلام والتوجيه: إذ إن هناك تقصيراً من هذه المؤسسات في بناء المواطن الصالح الذي يقوم بأداء حقوق الوطن. د. محمد بن صالح العلي