DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الكتاب الذي يحدّ من حريتي ليس صديقي وحياة واحدة لا تكفي للقـراءة

الكتاب الذي يحدّ من حريتي ليس صديقي وحياة واحدة لا تكفي للقـراءة

الكتاب الذي يحدّ من حريتي ليس صديقي وحياة واحدة لا تكفي للقـراءة
أخبار متعلقة
 
من داخل مكتبة كاتب ومبدع نستقصي تجربة زمن وعلاقة عمر بينه وبين الكتب، خاصة أنه احترف الكتابة وأصبح أحد أقطابها بين أبناء جيله.. يستمتع بالكتابة والكتاب ليشعر بأنه بحاجة لحياة أخرى يقرأ فيها وينجز ما قد يفوته عبر الزمن..الكاتب والقاص حسن السبع نستضيفه في هذا الحوار الخاص حول علاقته بالكتاب ومكتبته باعتبار أن ذلك من أهم ما يكتنزه المبدع في حياته، خاصة أن كتبه هي أصدقاؤه الذين تربطه بهم علاقة أشبه بالاتحاد الحر.. فمعه نغوص في مكتبة السبع التي أنتجت إبداعه. علاقة الأسر  أنت والمكتبة.. ما الذي تقرؤه عن هذه العلاقة؟ - لم تصل العلاقة بيني وبين مكتبتي إلى درجة الانقطاع عن العالم، كذلك الانقطاع الذي عبّر عنه أحمد شوقي بقوله: «أنا من بدَّل بالصحب الكتابا»! فللصديق جماله وأهميته، لكني أشعر مثل شوقي بقيمة ذلك الجمال المخبوء بين سطور كتاب مدهش. فالكتاب هو ذلك الصديق الجميل، والنافذة المشرعة على العالم وعلى الزمن، والبساط السحري الذي يحلق بنا بعيدا في مدارات الفكر والمعرفة عبر مراحلها التاريخية المختلفة. وأشعر بأن هذه المساحة الصغيرة التي تحتلها المكتبة بالمنزل واسعة بحجم الفضاء.. وإنني كقارئ وكاتب لا أستطيع التحرك بدونها .. هذا شكل من أشكال الأسر الجميل.. هي علاقة أشبه بالاتحاد الحر.. وما أجمل العلاقات القائمة على حرية الاختيار. ثم إنني من جيل وجد تسليته ومتعته وعالمه بين سطور الكتب.. جيل جاء إلى العالم في زمن متواضع الإمكانيات التقنية والمعرفية، فكانت علاقته بالكتاب لصيقة لعدم توافر البدائل آنذاك. مقاومة العزلة  ماذا تعني لك مكتبتك؟ ـ أشعر في مكتبتي وكأنني بين أصدقاء بلا وجوه.. أصدقاء من عصور وأماكن مختلفة، ولهم تجارب مختلفة، أو كما يقول درايدن: عبر الكتب، أتنقل في أرجاء العالم وأنا في مكاني. وغالبا ما أستعين بهم للإجابة عن أسئلة حائرة. كما ألجأ إليهم، أحيانا، لأطمئن على سلامة أو صدق ما أكتب.. أنا تلميذ لهذه العقول التي تحتل رفوف مكتبتي.. وأشبه ذلك الشاعر الذي يقول: «لا أكون وحيدا عندما أكون مع وحدتي».. أنا أيضا لا أشعر بالوحدة وأنا في مكتبتي. فالمكتبة وسيلة للتواصل مع العالم، ومع الإنسان في كل زمان ومكان.. هذه الرفوف تقاوم العزلة، وتغري بالتواصل مع مختلف الثقافات والتجارب الإنسانية.. إنها نافذة واسعة على المعرفة.. القراءة تمنح المرء أكثر من حياة، ولعل هذا هو المعنى الذي قصده أحد الكتاب حين قال: أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفي !  من يغار من علاقتك بالكتب؟ ـ هذا سؤال مراوغ، وهو يذكّرني بقصة طريفة من تراثنا الأدبي يرويها أبو القاسم البقال فيقول: لما تزوج شيخنا أبو عبد الله بن المحرم قال لي: لما حُملتُ إلى المرأة (يقصد زوجته) جلست في بعض الأيام أكتب شيئا على العادة والمحبرة بين يدي، فجاءت أمها فأخذت المحبرة فضربت بها الأرض فكسرتها! فقلت لها في ذلك، فقالت: هذه شرٌّ على ابنتي من ثلاثمائة ضرة.. القصة لا تتحدث عن الكتاب والقراءة ولكن عن الكتابة.. غير أن النتيجة واحدة.. الأسئلة المراوغة تفرّخ إجابات مراوغة أيضا. القراءة لا تنتهي  هل تعتقد أن حياة واحدة تكفيك للاستمتاع بالقراءة؟ ـ الحقيقة أن حياة واحدة لا تكفي لإنجاز أشياء كثيرة، ومنها الاستمتاع بجمال الحياة نفسها.. ومن متع الحياة القراءة والاطلاع على ما تزدحم به الرفوف من كتب في شتى المعارف.. وقد يموت المرء وفي نفسه شيء من تلك الثروة المعرفية. كما أننا لا نتوقف عن اقتناء الكتب.. إنه شكل من أشكال الإدمان المحمود.. ناهيك عما يصل إلى الكاتب من الكتب التي يهديها الأصدقاء الكتاب أو المؤسسات الثقافية.. ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار، كذلك، الالتزامات والواجبات والضرورات التي تفرضها ظروف الحياة. كل ذلك وغيره يجعل الساعات المكرسة للقراءة أقل مما ينبغي. مرة كتب كازنتزاكي يقول: لم أتعب.. ولكن الشمس غربت. وهو يبطن في هذه العبارة أن حياة واحدة لا تكفي لعشاق المعرفة وهواة الكدح الأدبي والفكري. وفي هذا المعنى يقول فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري: «أما المراد فجمٌّ لا يحيط به شرح ولكنَّ عمرَ المرء مختصرُ»! الكتب لها أثر  ما الحيز الذي احتلته مكتبتك في تربية وعيك وترتيب نظام حياتك؟ ـ أحب عبارة «تربية وعيك» أو «تنمية وعيك».. وأتردد في قبول عبارة «ترتيب نظام حياتك».. لأني لا أدري بالفعل إن كانت الكتب قد رتبت نظام حياتي أم زادت حياتي فوضى؛ فوضى في نظر الآخرين على الأقل؛ أي حسب المنظار الذي يرون من خلاله الأشياء. ما أعرفه أن لبعض الكتب التي قرأتها أثرا في تشكيل شخصيتي وتفاعلي مع قضايا الحياة المختلفة، وبعضها قد ساهم في تشكيل رؤية مختلفة ومواقف من الوجود تتناغم مع تلك الرؤية. كما أتاحت لي كتب أخرى، حتى الرديء منها، التمييز بين الجمال والقبح، والنور والعتمة، والخرافات والحقائق. وساهمت بعض الكتب في الارتقاء بذائقتي الجمالية، وفي قبول التنوع المدهش للأفكار والتجارب للثقافات المختلفة، وقبول الآخر المختلف. تكوين المكتبة  متى بدأت في تكوين مكتبتك؟ ـ البدايات لا تنسى.. إنها تثبت في الذاكرة، لأنها وكما يقول علماء النفس من (الأوليات).. بمعنى أول كتاب اقتنيت، وأول يوم ذهبت إلى المدرسة.. وأول يوم ذهبت فيه للعمل.. إلى آخر تلك الأوليات.. من الكتب التي تمنيت أن تكون نواة لتكوين مكتبتي الكتب الأولى التي قرأتها في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية.. لكن مكتبتي بدأت في التكون منذ التحاقي بالجامعة من كتب اللغة والأدب والتاريخ المقررة. ثم بدأت المكتبة تنمو وتتنوع مقتنياتها مما يوصينا به الأساتذة من مراجع. كانت بداية متواضعة. لكن المكان الآن، وبعد أربعة عقود من الزمن، قد ضاق بما فيه، مما اضطرني إلى فتح فرع جديد للمكتبة في البيت. أول كتاب  ما أول كتاب قرأته؟ ـ لن أتحدث عن قصص (المكتبة الخضراء) للأطفال التي كنت أستعيرها من قيّم مكتبة المدرسة الابتدائية. لكن أول كتاب قرأته في المرحلة الابتدائية، وشعرت وأنا أقلب صفحاته بمتعة القراءة، كتاب مقتبس من (ألف ليلة وليلة) وعنوانه (تودّد الجارية). في هذا الكتاب يصنع الخيال مزيجا من المتعة والفائدة. فبطلة القصة (جارية) مثقفة تخضع لاختبارات في مختلف العلوم والآداب، وتجيب عن الأسئلة التي يطرحها مناظروها في شتى حقول المعرفة. وكان الكتاب الثاني قصة (حي بن يقظان).. وأما المفارقة العجيبة فإنني قرأت في هذه المرحلة المبكرة، وبعد (تودد الجارية) و(حي بن يقظان) كتاب سلامة موسى (هؤلاء علموني).. كان ذلك في بداية مرحلة الدراسة المتوسطة. لا أتذكر كيف حصلت عليه، لكنه كتاب يتناول سيرة وأفكار شخصيات عالمية لها أثر بارز في الارتقاء بالفكر الإنساني. لذلك كنت أتمنى أن تكون هذه الكتب التي قرأتها في تلك المرحلة المبكرة نواة لمكتبتي. لكن وعيي في تلك المرحلة لم يؤهلني للاحتفاظ بالأشياء.. وقد فقدت مقتنيات بسيطة كثيرة أحن إليها الآن. مراحل تحديد الكتب  ما المراحل التي تدرجت فيها لتحديد نوعية الكتب التي تقرؤها؟ ـ في محطات العمر الأولى كان يشدني السرد، بما فيه من إثارة وتشويق.. أية قصة لها بداية ونهاية، وما أجمل أن تكون النهاية سعيدة تحقق ما يسمى بـ(العدالة الفنية)، وعلى طريقة بعض الأفلام الهندية. وكانت أغاثا كريستي، بقصصها البوليسية، تحتل حيزا من تلك الذائقة التي لم تنضج بعد، والتي تبحث عن الإثارة والتشويق. أرجو أن تلاحظي أنني أتحدث عن البدايات. ثم تغيرت الاهتمامات في مرحلة الدراسة الثانوية، خصوصا أنني كنت، آنذاك، في القسم الثانوي الأدبي. بدأت ترجح كفة دواوين الشعر (الشابي، شوقي، الجواهري، أبو ماضي، بولس سلامة، السياب، ونزار قباني) وفي مرحلة أخرى: أدونيس وسعدي يوسف والماغوط.. إلى آخر القائمة. في فرنسا تطورت اهتماماتي بشعر القارة الأوروبية، ويعود الفضل في ذلك للأساتذة وزملاء الدراسة الذين لفتوا انتباهي إلى كنوز الشعر الغربي مع أني لم أذهب إلى فرنسا لدراسة الأدب، ولكن لتعلم اللغة والتدرب في حقول إدارية لا علاقة لها بالأدب. الآن أصبحت قارئا لكل صنوف المعرفة باللغات التي أجيد القراءة بها.. كما أقرأ الروايات ودواوين الشعر وكتب الأدب والنقد والفلسفة.. وأبالغ في اقتناء الكتب المترجمة.. لكن سؤالك يشير إلى تحديد نوعية الكتب التي أقرأها.. وأنا بالفعل شخص انتقائي. لأني أصبحت أكثر قدرة على «قراءة الكتاب من عنوانه». وأتمنى ألا تترجم العبارة بشكل حرفي. لأن عنوانه يعني بالنسبة لي عناصر كثيرة تبدأ بالمؤلف ولا تنتهي بمضمون الكتاب فقط. الكتب المفضلة  وما النوعيات التي تقرؤها بصورة مفضلة عن غيرها؟ ـ الكتب كالأصدقاء، والأصدقاء ليسوا سواء. الصديق الذي يحد من حريتك ليس صديقا. كذلك الكتب التي لا تطلق خيالك.. ولا تثير دهشتك.. ولا تمنحك حق السؤال هي كتب لم تكتب لك، بل لأولئك الذين عطلوا عقولهم، وأصبحوا أوعية تستقبل وتتقبل. لا تعارض ولا تسأل. ناهيك عن الكتب التي لا تحترم عقل القارئ. أقرا الكتب التي تحرضني على طرح الأسئلة بشكل جريء. أقرأ الكتب التي تثير دهشتي وتولد أسئلة جديدة لم تخطر على بالي من قبل. أقرأ بصورة مفضلة الكتب المترجمة في حقل الأدب والنقد والفلسفة ومعارف أخرى. بعض من الفوضى  ما أسلوب تعاملك مع محتويات مكتبتك؟ ـ أسمح لبعض الفوضى في حياتي.. بعض الفوضى صحية، كي لا نصبح آلات، لكني أحاول أن أكون مرتبا إذا ما تعلق الأمر بمحتويات مكتبتي. فأنا لا أضع كتبها بشكل عشوائي. هنالك رفوف لكتب الأدب والنقد والفلسفة. ورفوف خاصة بالشعر وبالسير الذاتية، وأخرى خاصة بالرواية، وهلم جرا.. ومع ذلك، فأنا لست راضيا عن هذا الترتيب. لابد من ترتيب آخر يضمن لي البحث بطريقة سهلة سلسة. إعارة واستعارة  هل تعير وتستعير الكتب؟ ـ نعم. أفعل ذلك، لكني أندم أحيانا. فلا يستطيع أحد أن يتفادى تلك العادة الجميلة المزعجة «الإعارة والاستعارة».. من الأصدقاء من تفتح له باب قلبك وبيتك، لكنك تغامر كثيرا إن أنت فتحت له باب مكتبتك. ولي صديق يردد العبارة القائلة: «مغفل من يعير كتابا، وأكثر تغفيلا منه من يعيد الكتاب المستعار»! أذكر ذلك الصديق الذي سطا على كتاب في مكتبتي عنوانه (أشعار اللصوص وأخبارهم)، وهو كتاب لا تتجاوز قيمته المادية عشرة ريالات. والأطرف من ذلك أن الكتاب كان هدية من صاحبي الذي سطا عليه. وقد فعل ذلك ظنا منه أنه قد نفد من الأسواق. أسوأ ما في الأمر أن تكون بحاجة إلى كتاب ما. وحين تبحث عنه لا تجده ثم تتذكر أنك قد أعرته لشخص ما.. لا تعرف من هو. متفرقات  هل تفضل أنماطا معينة في تأثيث مكتبتك من ناحية الألوان والتصميم؟ ـ أفضل اللون البني الذي يوحي بالعراقة والقدم. وأن تكون الرفوف متفاوتة الحجم.  ما مدى أهمية المكتبة بالنسبة للأسرة؟ ـ كل يبحث فيها عما يناسب اهتماماته. وتبقى الروايات ودواوين الشعر أكثر إغراء لأفراد الأسرة من غيرها.  ما الكتاب الذي كان له أكبر الأثر في حياتك؟ ـ لا يوجد كتاب واحد محدد. فلكل كتاب تأثيره الخاص. في حياتنا نتعرف على أناس مختلفين، ننسى بعضهم مع مرور السنين، وتبقى ذكرى بعضهم عالقة في الذاكرة، ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن الكتب، فلبعض الكتب فعلها في تشكيل الوعي، وإضاءة دروب الحياة.  ما الكتاب الذي تنصح بقراءته؟ ـ لست مؤهلا لإسداء النصائح. أستطيع فقط أن أقترح. وإذا جاز لي ذلك. فليس في بالي كتاب معين. فما يناسب ذائقتي واهتماماتي كقارئ قد لا يناسب قارئا آخر.. وليس عندي ما أقترحه إلا القراءة نفسها، فهي السبيل الوحيدة لتنمية الثقافة الفردية.  ما الكتاب الذي لا تمل قراءته؟ ـ الكتاب الذي لا أملّ من قراءته هو الكتاب الذي كتب من أجلي.. وأنا هنا أستحضر عبارة بورخس الذي يقول: «إذا أحسستَ بالضجر وأنتَ تقرأ كتابا ما، فلا تتردد في أن تضعه جانبا، لأنه لا يكون قد كتب من أجلك».