حقق خطاب أوباما الأخير الكثير من أهدافه وأهمها إحداث حالة من الحراك الفكري والجدلي والذي قد يستمر لفترة طويلة. وقد نجح في رسالته على الرغم انه لا جديد على الواقع. حيث قام بالتركيز على سبع قضايا هي بالمقام الأول ما يهم الولايات المتحدة وان كان بعضها يتعلق بالعالم الإسلامي وهي العنف والسلام العربي الإسرائيلي والسلاح النووي والديمقراطية وحرية الأديان وحقوق المرأة والفرص الاقتصادية.
ويبقى أوباما لغزا محيراً للعالم من حيث شخصيته وأصوله وموقعه وتوجهاته. وهو خطيب مفوه قادرعلى استثمار الألفاظ والعبارات لتحقيق أهدافه. وكذلك براعة استدعاء النصوص وخاصة القرآن، والتركيز على القواسم المشتركة، واختيار المكان المناسب (مصر).
والتركيز على الوحدة الإنسانية والمشتركات البشرية. وقد شارك في خطابه الكثير من المستشارين من أديان مختلفة وعلوم متنوعة (منها علوم اللسانيات). هذا الخطاب يحتاج إلى تفكيك لرموزه وأبعادها المستقبلية.
بعد الخطاب، البعض أطلق عليه نجاشي العصر، ومنهم من شبهه بمؤمن آل فرعون (الذي ذكره القرآن في سورة غافر)، وسماه البعض بالمهدي المنتظر.
كما طالب البعض بعدم خذل اوباما بل تشجيعه حتى يحول أقواله إلى أفعال.
وقد تحدث ساعة كاملة دون أن ينطق كلمة إرهاب مما اغضب الصهاينة. كذلك دمر خطابه أكذوبة صراع الحضارات ونهاية التاريخ مما سوف يساعد في كسر التوتر والاحتقان بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.
آخرون يرون أن خطابه لم يكن إلا حملة علاقات عامة حيث لم يلق الخطاب في قاعات صناعة القرار مثل البرلمان أو مجلس الشعب بل في الجامعة، وخاطب مصر التاريخية لا مصر المعاصرة. أما حلاوة الخطاب فهي من باب « امدح البدوي وخذ ثوبه» حيث يعتقد أن هناك شعوراً عاماً بأن العرب والمسلمين ينسون آلامهم بمجرد مدحهم والثناء عليهم.
ويذكرالبعض أن خطاب أوباما يأتي في سياق البراغماتية الأمريكية التي هي ثورة عالمية متجددة حيث لا عداء دائم فيها ولكن مصالح دائمة وهي واقعية وذرائعية والأشخاص فيها لا مكان للعواطف عندهم ، والنجاح العملي هو المقياس الأساسي للبراغماتية كما ذكر ذلك مفكرها الأول الإنجليزي آدم سميث.
وتنهج هذه البراغماتية أسلوباً إبداعياً درامياً يشبه إلى حد كبير أفلام هوليود.
ومن السهل أن نلاحظ أن تسميات مبادراتها الجديدة ومشاريعها الكبرى تشبه الأسماء الدرامية الرمزية نحو حرب النجوم، ثعلب الصحراء، الفجر الأحمر، الحرب على الإرهاب، الحرب الصليبية، العدالة المطلقة.
ويمكن أن نضيف أن النظرة الفكرية الواقعية لهذا الخطاب تبين أن التفاؤل والتشاؤم لا مكان لهما في السياسة والأقوال لا يمكن التعويل عليها مالم تحول إلى أفعال ملموسة.
والسياسيون يدركون ويفهمون أكثر من غيرهم أبعاد مثل هذه الخطابات. وقد جاء ذلك مضمنا في كلام أحد مهندسي السياسة الخارجية العربية (الأمير سعود الفيصل) وأكثرهم خبرة حينما ذكر أن خطاب اوباما للعالم الإسلامي كان متوازنا وايجابيا وشاملا إلا انه ما زال خطوة واحدة تحتاج إلى خطوات.
أخيراً نذكر أن أروقة صناعة القرار الأمريكية تتميز بمبادرات إبداعية وبراغماتية قل نظيرها بشكل يجعلها عصية عن التحليل والفهم حتى من المتخصصين.
ويجب عدم الخلط بين الكاريزما الشخصية لأوباما وبين المهام الموكلة إليه لتمثيل المصالح الأمريكية العليا . وألا نتصور أن خطاب اوباما جاء بمعزل عن الأهداف الكبرى والاستراتيجية للولايات المتحدة والتي صنعتها خزانات التفكير ومراكز الأبحاث ( Think Tanks )، وأهمها مركز الأمن الأمريكي الجديد ( The New Center of American Security ) الذي يضم 20مستشارا من ذوي المستوى العالي من البراغماتيين والأكاديميين والدبلوماسيين إضافة إلى مراكز أخرى أكثرها ينصح اوباما بتبني السياسات التي تقوم على القوة الناعمة وتحقيق الأهداف بالدبلوماسية.
[email protected]