أن تتمنى أن تكون أفضل حالا مما أنت عليه فهذا شيء مطلوب وحق مشروع وأن تتمنى الخير لغيرك فهذا شيء جميل ورائع أما أن تتمنى شيئا خلاف هذا وذاك ولا تستفيد منه كزواله فهذا شيء سيىء في ظني. هناك أناس كثيرون أنعم الله عليهم بنعم مختلفة كالمال أو النجاح أو العلم وغيره وهناك أناس يفشلون في تحقيق ذلك فنجدهم أكبر حاسديهم على تلك النعم وهذا دليل ضعفهم ونقصهم.
من المنطقي والبديهي ألا يحسد الإنسان إنسانا آخر إلا ان كان أفضل منه فقط وليس مثله أو أقل أما الآن فانقلبت الآية وأصبح كل شيء ممكنا من الأسوأ إلى الأفضل والعكس كذلك.
لا شك أن الحسد والعين شيئان موجودان ولا ينكرهما أحد, يحدثني أحد المهتمين بالرقية الشرعية فيقول : لم يعد الحسد أو العين يقتصران على المال أو البيوت الفارهة أو السيارات الفخمة فبعض الناس في هذه الأيام يحسدون الآخرين على أي شيء حتى لو كانوا هم أفضل منهم وهذا نقص كبير في نفوسهم فمثلا في الأعراس بعض البنات يحسدن على طول شعرهن حتى وإن لم يكن جميلا أو ناعما كما يقول وأناس آخرون يحسدون على رشاقة أجسامهم وعلى لباقتهم في الكلام وإنتاجيتهم في العمل ونجاحهم العلمي أو عائلة متآلفة ومترابطة مع بعضها أو ابن بار بوالديه, ويضيف أن الحاسد هو إنسان مريض مرضا غير عضوي ويجب علاجه وتذكيره بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فالحسد والمحبة لا يجتمعان كما أن الحسد من الشيطان, أما العين فقد لا يكون صاحبها متعمدا دائما فقد تقع دون شعور أو قصد فتجده ينجذب إلى شيء معين أو يلفت إنتباهه فتقع العين.
إذا مع كل ذلك ما الحل لما ذكرت؟ هناك حل واحد ولكنه على درجات أربع, فالدرجة الأولى والأفضل على الإطلاق هي التحصين الذاتي من كل شر قد يواجهه الإنسان وهو حصن الأوراد والأذكار في كل يوم كأذكار الصباح والمساء وما قبل النوم ونزول المكان ودعاء الإنسان لنفسه فهي أفضل حصن عن كل شر كان حسدا أم عينا أم غيرهما.
الدرجة الثانية وهي عدم الإكتراث والاهتمام بالحسد والعين إلى حد الانشغال بهما انشغالا دائما وتأويل كل شيء وإرجاعه إليهما باستمرار فهذا بحد ذاته مشكلة أخرى فلو اصيب أحد بزكام قال أصابتني العين, وبعض الناس ما أن تذكر له أي شيء ولو عن ثوبه بأنه جميل إلا وباغتك وقال (قل ما شاء الله قل ما شاء الله) ويكاد يهجم عليك ويأكلك, أو عن سيارته أو بيته أو أي شيء حتى وإن كان تافها وسخيفا, نعم من المطلوب ذكر الله دائما ولكن إن حصنت نفسك فتوكل على الله ولن يصيبك إلا ما كتب لك.
بعض الناس لا يذكر الله في كلامه ومدحه لأي شيء وبالذات إن كان مازحا وهو ما يحصل غالبا وإن سألته : لماذا .. يقول : ليس قصدي الحسد أو غيره فأقول : قد لا تكون قاصدا فعلا والعين قد لا تحتاج للقصد فكم من والد أصابت عينه ابنه وندم ندما شديدا.
أما الدرجة الثالثة وهي التي تشمل كل الناس وهي ذكر الله بأن يكون لسان الإنسان رطبا بذكر الله كقول ما شاء الله أو تبارك الله فتجعل اللسان متعودا على مثل هذه الأذكار التي تجنب عن الوقوع في العين أو الحسد.
أما الرابعة فهي زرع الغبطة في النفس وهي أن تتمنى ما عند غيرك دون زواله منه وهذا أمر مشروع فكم من شيخ أو أستاذ أغبطه على علمه وكم من كاتب أغبطه على روعة كتاباته أو إنسان ناجح وطموح وكم من لاعب أغبطه على لعبه ومع كل ذلك أتمنى لهم المزيد من الخير كما أتمناه لنفسي ويا ليتهم يغبطونني إن وجدوا شيئا.
هناك أناس كثيرون فقدوا أموالهم وصحتهم وأعز أقربائهم بسبب العين والحسد بسبب أو بدونه فأصبحت حياتهم رأسا على عقب كأب فقد فلذة كبده أو مرض لأحدهم أو ولد فقد أباه أو أمه أو إنسان معافى محب للمرح أصبح منطويا حتى على نفسه.
لكل من ابتلي بمثل ذلك أقول له تذكر أنك تضر إنسانا أشد الضرر وهو لم يسىء إليك ولم يضرك بل قد يكون يحبك ويتمنى لك كل الخير فهل هذا جزاؤه؟ ناهيك عما يلحق بك من إثم, وما أسوأ النقص أو الضعف والأشد حين يجتمعان. كفانا الله كل شر .. في أمان الله.
[email protected]