يعجبك قول أحد المسئولين عندما يردد بثقة تامة أن عهد الواسطة قد ولّى، وأنه لا ولن يقبل الواسطة في جميع الحالات، وقد يقفز إلى ذهنك سؤال لا يخلو من الخبث، ولا كنت تسأل:
ـ إذا جاءت الواسطة من مسئول كبير فماذا أنت فاعل؟.
حتما سيفاجئه السؤال، وقد يحاول التهرب، ويجيب إجابة غير مقنعة، وقد يعتبر أن هذه ليست واسطة بل هو أمر لا بد من تنفيذه، وربما يضمر لك بعض الموجدة لأنك ضايقته بسؤالك ووضعته في (خانة اليك)، ولا تسألوني ما (خانة اليك) لأني بصراحة تامة لا أعرفها، ولكني أعرف أنها شيء من (الزنقة) وفي بلدان المغرب يسمون الطريق المسدودة (زنقة) وتلك يمكن الرجوع منها، لكن هذه لا يحسد عليها من تعرّضه الظروف لمواجهتها.. فهو لا مفر له من التنفيذ تقربا من ذلك المسئول، أو حفاظا على منصبه الذي قد يطير منه إذا رفض تلك الواسطة ـ الأمر.
بعضهم يسميها شفاعة ويقول: إنها جائزة شرعا، لكن الشفاعة لا يترتب عليها ضرر للآخرين، وهي هنا تعني الضرر للآخرين.. إذًا هي ليست شفاعة بل واسطة ، ألبست ثوب الشفاعة، هروبا من تبعاتها الرسمية والاجتماعية، وفي الحالتين لا مفر من الاعتراف بأن هذا نوع من الضغط الذي يمارسه بعض (الكبار) على بعض المسئولين، إلى أن أصبحت الواسطة ظاهرة وقع في فخها حتى أصحاب الكفاءات، الذين تولدت لديهم قناعة تامة بأنهم لن يحصلوا على ما يستحقون إلا عن طريق الواسطة، فهل سيأتي يوم تختفي فيه هذه الظاهرة ؟.
سيقول بعضهم ولماذا تختفي الواسطة ما دام هناك مستفيد منها ؟ وله نقول: إن الفائدة التي يحصل عليها فرد غالبا ما تكون على حساب فرد آخر، فالطالب الذي يحجز مقعدا في الجامعة عن طريق الواسطة، سوف يحرم طالبا آخر يستحق هذا المقعد، وكذلك الحال بالنسبة للوظيفة أو إنهاء المعاملات ذات الأطراف المتخاصمة، والعناوين كثيرة التي تلعب الواسطة دورها لتسيير الأمور والتي يصعب تسييرها حسب النظام، وسوف يصبح النظام هشّا ما دام قابلا للاختراق بهذه البساطة، وهذا يؤصل انعدام الثقة بالنظام، ويؤدي على المستوى الاجتماعي إلى زعزعة ثقة الناس بهذا النظام، فلا جدوى من أي نظام إذا لم يطبق على الصغير والكبير بنفس المستوى من الحزم والانضباط.
والحل هو تسيد النظام ليكون فوق الجميع، هذا من جانب ومن جانب آخر لا بد من امتناع أصحاب السلطة والجاه عن التوسط في أمور محسومة بنص النظام، وليكن المقياس هو الكفاءة ووفق ما ينص عليه النظام ولا شيء غير ذلك، ومن المهم جدا رفض أي واسطة قد تصل للمسئول من أي جهة أو من أي (كبير) وهذا الحل قد يبدو صعبا ودونه خرط القتاد، لكن المسئول الواثق من نفسه لن يخضع لأي لون من ألوان الضغط، ما دام يؤمن بعدالة موقفه.. وعدالة النظام، وبذلك يمكن أن يكون هذا النظام فوق الجميع، دون محاباة لفرد دون غيره، أو فئة دون سواها.
مرة أخرى نسأل: هل سيأتي يوم تختفي فيه هذه الظاهرة ؟.
[email protected]