عمد خادم الحرمين الشريفين قبل عامين على إنشاء إستراتيجية وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والتي اشتملت على لوائح وبنود هامة من شأنها إن طبقت بشكل فعال من قبل كافة أجهزة الدولة, ومؤسسات المجتمع المدني, والمواطنين بشكل عام الحد من الفساد بشكل كبير.
وكان انطلاق هذه الإستراتيجية حدثا هاما استقبل بكل ترحيب, وأمل في التغيير, وكان له صداه وحضوره الإعلامي البارز, دبجت فيه المقالات وتمحورت حوله الكثير من اللقاءات كجزء هام لا يتجزأ من مشروع الإصلاح الوطني.
وحقيقة لا يمكن في مساحة هذا المقال الضيقة أن نتطرق إلى كل بنود وأهداف هذه الإستراتيجية, ولكن دعونا نتذكر شيئا منها للتأكيد على أهمية هذا المشروع الإصلاحي, والدفع به نحو الأمام, ومدى احتياج المجتمع إليه لتحقيق العدل, والمساواة, ومكافحة الفساد بشتى أنواعه لما له من اثر عظيم على مسيرة التنمية الوطنية والسلم الاجتماعي.
كان من أهم منطلقات هذه الإستراتيجية هو أن الدين الإسلامي يعد الركيزة الأساسية التي تحكم هذه الإستراتيجية, وأن الفساد يعوق التطوير والتنمية والاستثمارات, وأن ظهور مفاهيم وصور ووسائل حديثة للفساد وانتشارها تستلزم مراجعة وتقويماً مستمراً للسياسات والخطط والأنظمة والإجراءات والبرامج لمكافحة هذا الوباء الخطر.
وكانت الأهداف الرئيسة لهذه الإستراتيجية والتي أعلن عنها مجلس الوزراء هي: حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره, تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية، والأخلاقية، والتربوية, توجيه المواطن والمقيم نحو التحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية, توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها, الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد, تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
وكل هدف من هذه الأهداف يعد إستراتيجية اجتماعية بحد ذاتها وتحتاج إلى جهد كبير في سبيل تحقيقها على ارض الواقع حتى يشعر المواطن بأثرها على حياته وتعاملاته اليومية.
وأعلن كذلك عن وسائل لتحقيق هذه الإستراتيجية ومن أهمهما: تشخيص مشكلة الفساد في المملكة عبر تنظيم قاعدة معلومات وطنية تشتمل على جميع الوثائق النظامية والإدارية لتحديد حجم المشكلة وأنواعها وأسبابها وآثارها وأولوياتها, دعم وإجراء الدراسات والبحوث المتعمقة بموضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد. كذلك من الوسائل الهامة قيام المسئولين بالمراقبة والمتابعة؛ للتأكد من سلامة إجراءات العمل ومطابقتها للأنظمة, اختيار المسئولين في الإدارات التنفيذية التي لها علاقة بالجمهور من ذوي الكفايات والتعامل الحميد مع المراجعين, والتأكيد على مديري الإدارات بإنهاء إجراءات معاملات المواطنين ومراقبة الموظفين حتى لا يضعوا العقبات أمام تلك المعاملات, التأكيد على عدم التمييز في التعامل وعدم النظر إلى المركز الوظيفي أو الاجتماعي للشخص, العمل بمبدأ المساءلة لكل مسئول مهما كان موقعه، وفقاً للأنظمة, وكذلك تعزيز جهود الأجهزة الضبطية المتعلقة بمكافحة الفساد.
واستشعارا لأهمية مبدأ الوضوح والشفافية في العمل كأحد أهم أعمدة مكافحة الفساد فان الإستراتيجية أقرت هذا المبدأ وطالبت بتعزيزه داخل مؤسسات الدولة عن طريق التأكيد على مسئولي الدولة بأن الوضوح وسيلة فاعلة للوقاية من الفساد، وأن اعتماده كممارسة وتوجه أخلاقي يضفي على العمل الحكومي المصداقية والاحترام, تسهيل الإجراءات الإدارية والتوعية بها وإتاحتها للراغبين، وعدم اللجوء إلى السرية إلا فيما يتعلق بالمعلومات التي تمس السيادة والأمن الوطني. توضيح إجراءات عقود مشتريات الحكومة والمؤسسات العامة والشركات المساهمة، وإعطاء الجمهور والمؤسسات المدنية ووسائل الإعلام حق الإطلاع عليها ونقدها. وكذلك وضع نظام لحماية المال العام.
وحقيقة يعد المطالبة بإنشاء هذا النظام في هذه الإستراتيجية ما جاء إلا إحساسا بخطر الفساد على المال العام وأثره الكبير في تبديده وحرمان المجتمع منه. فالمال العام هو مال المواطنين أولا وأخيرا, وفيه خير المجتمع ورفاهية أفراده, ومن حق الدولة على مواطنيها أن تنشئ نظاما يحميه من النهب والسلب. لذا وضع هذا النظام يجب أن يكون أولوية هامة في هذه الإستراتيجية و يجب التركيز عليها بشكل كبير.
كذلك تضمنت الإستراتيجية بنود أخرى هامة كمشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد, وتوعية الجمهور وتعزيز السلوك الأخلاقي, تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية, وأخيرا تعزيز التعاون العربي والإقليمي والدولي في مجال مكافحة الفساد.
[email protected]