يبدو أن المفاوضات الجارية في القاهرة حالياً لتحقيق التهدئة بين فصائل المقاومة والدولة العبرية، ستصل لنتائج حاسمة في غضون الساعات المقبلة، والمفاجأة ليست في التوصل لاتفاقات، لكن ما بعد هذه الاتفاقات؟ إسرائيل تتفاوض وعينها على صناديق الاقتراع المقبلة لتحديد زعامتها المحتملة، التي تتأرجح بين نتنياهو (الليكود) وليفني (كاديما) وليبرمان (إسرائيل بيتنا), فيما يبدو أن حزب العمل بزعامة أيهود باراك يتجه لفقدان الأمل، وكل من هؤلاء المرشحين رغم كل بوادر العنف والقوة والبطش الظاهرية، يحتاج الى ورقة تفاوض تعززه أمام الناخبين المتطرفين خاصة في مرحلة ما بعد العدوان على غزة. إسرائيل بطبيعتها مجتمع متطرف من أقصى اليمين لأقصى اليسار، لا هامش رمادياً يسمح على الأقل بمناورة من نوعٍ ما. كل الأحزاب تتحرك في دائرة التطرف القاتل وإن كانت تختلف في الأسلوب، ولم يوجد بعد، ولن يوجد حتى 20 عاماً مقبلة، ذلك الزعيم الصهيوني القادر على مواجهة التطرف وشجاعة التعهد بتحقيق سلام ينهي الوضع المأساوي في الشرق الأوسط، المجتمع الصهيوني نفسه لا يسمح بمثل هذا الإفراز، حتى أصبح الوضع أشبه بدويلة يحكمها زعماء عصابات فقط لا غير. مجرم مثل رابين اغتيل برصاصات لأنه ـ مع كل سجله الإجرامي الآثم ـ انجرف وراء وهم سلام مع الراحل عرفات، أفضى ـ برعاية أمريكية وفق أوسلو ـ لعودة تاريخية لقادة فلسطينيين لبقعة من الأرض يمكن أن تشكل يوماً كياناً «قابلا للحياة»، ما لبث من تعاقبوا بعده على قضم هذا الوهم قطعة قطعة، حتى كاد يذوب تماماً حل الدولتين، بفعل الاستيطان وعملية تغيير الهوية الجغرافية ببطء، ليعود للأذهان الحديث المستحيل عن الدولة الواحدة التي يتعايش اليهود والفلسطينيون فيها جنباً إلى جنب! ما بعد غزة، ليس بالطبع مثل ما قبلها. إسرائيلياً يتنافس الكل على إتمام صفقة جندي واحد هو بالمنطق العسكري مجرم أسير، متجاهلين تماماً آلاف الشهداء والمصابين والأسرى والمحاصرين، هم بمنطق الاحتلال مسؤولية الدولة المحتلة. قبل سنوات، كان بعض العرب يتفاءلون بـ»العمل» عن هذا «الليكود»، ويتطيرون من شارون تشجيعاً لبيريز، ويصفقون لهذه الشمطاء ليفني نكاية في نتنياهو، متناسين أنهم جميعاً في النهاية أبناء عصابة واحدة يتوارثون لعب الأدوار وتوزيع التباكي، لا يختلف فيها القتلة إلا على طريقة القتل.. نقول ذلك بانتظار قاتل جديد تفرزه ديموقراطية إسرائيلية للأسف يقترعون فيها على إذلالنا!