عزيزي رئيس التحرير
الحمد لله على أقداره ولا يحمد على مكروه سواه وإنما كان للحزن نصيب من القلب حينما وردنا نبأ وفاة شيخنا محمد بن عبدالله الزبن في فجر يوم الثلاثاء 23/1/1430هـ كان نبأ يزجي لنا غياب عالم شامخ وقاض فطن حصيف كانت لنا معه جلسات وإن شابتها القلة – ثرية بالتجارب والخبرات والنصح والمشورة فأنى لامرئ يجالس الشيخ – رحمه الله – دون ان يستل منه الفوائد والعبر مع جزالة في العبارة وبراعة في الأسلوب والمنطق وسعة صدر ودماثة خلق وتواضع عجيب جم سويعات قليلة تدور رحاها مع نسمات الشيخ رحمة الله عليه الا ان ثمارها تجنى وآثارها عظيمة تبدى.
رغم هيبته ورصانته كان لطيفا محببا ودودا مرغبا لا تخلو المجالسة معه من فائدة وشاردة الا احتضنته عبارته وسطرها بهدوء وتؤدة وأناة ولم يغب مع ذلك كله صراحته المعهودة وشفافيته الواضحة والتي كان رحمه الله يغلفها بأدب الحب ونصيحة المشفق.
ان القلم ليتعثر في هذا المضمار وهو يحاول ان يسعف جناب الشيخ حقه وأنى يتم ذلك وللشيخ رحمه الله – مآثره الحميدة في النفس ومحاسنه الجزيلة في الخاطر فتعجب من شخصية الشيخ المهيبة وقوته في مناشدة الحق ووقوفه الى جانب الضعيف مجسدا روح القاضي المنصف والعادل لا سيما انه كان قاضي المظالم وهو القضاء المتسم ضرورة بالهيبة والقوة اجسر من غيره وقد كان الشيخ – رحمه الله – حقيقا بهذا المكان جديرا بمثله وقد أولاه حقه علما وادبا وعدلا وحصافة وهيبة واقتدارا.
لقد كان لصلاة الظهر في مسجد المحكمة موعد للقاء الشيخ – رحمه الله – والجلوس معه والتحدث اليه والنهل من علمه والاستفادة من خبراته في عمله القضائي المنيف ولم يكن يقابل ذلك كله الا بصدر حان مرحب وابتسامة ضافية رصينة ونبرة صوت هادئة ومخزون علمي فائق الاعجاب.
وفي سير العمل مع فضيلته أثار دهشتي مجموع الشفاعات التي كان رحمه الله يبديها لأهلها فلم يرد محتاجا ويلبي قدر إمكانه من يحتاج لشفاعته وذلك في مخاطباته للجهات ذات العلاقة إذ كان مكتبه مفتوحا لكل طالب مسعفا لحاجة كل راغب.
في يوم الاثنين 22/1/1430هـ صليت الظهر بمسجد المحكمة وعند باب المصلى كان الشيخ محمد – رحمه الله – يعزم الخروج فكان لقاء سريعا خاطفا صافحته وابتسامته مرتسمة وسألني عن احوالي واحوال العمل ليفترق كل منا الى جهته وما علمت انه اللقاء الأخير بفضيلته إذ يردني فجر اليوم الثاني نبأ وفاته رحمه الله فكان مصاب الجميع في هذا الرجل المهيب الفذ وتفقد هذه البلاد عالما من علمائها وتشرخ في جدار هذه الامة ثلمة موجعة ومكانة كبيرة في قلوبنا لن تزال وانما هي سنة كتب لنا في هذه الحياة ان نعيش ألمها فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال (اتدرون ما ذهاب العلم؟ قلنا: لا. قال: ذهاب العلماء) وقال الحسن البصري (موت العالم ثلمة في الاسلام لا يسدها شيء ما طرد الليل والنهار).رحمك الله يا شيخ محمد وأسكنك فسيح جناته وألهمنا واهلك الصبر والسلوان وإنا على فراقك لمحزونون.
اللهم ارحم الشيخ محمد الزبن واغفر له واسكنه فسيح جناتك وبدله دارا خيرا من داره واجعله في الفردوس الأعلى من الجنة وحسبنا من ذلك كله كلام المولى (وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
الشيخ/ أحمد خالد ال عبدالقادر ـ القاضي بالمحكمة الإدارية بالمنطقة الشرقية