حقوق المرأة من الحقوق التي يصعب حصرها أو تحديد مفهومها بدقة على المستوى النظري والقانوني فهي تختلف باختلاف التفسيرات الاجتماعية المختلفة والمتباينة أحيانا للاتفاقيات الحقوقية في ظل الثقافة المحلية، ومع ذلك هناك قواعد أساسية تضع حقوق المرأة في إطار محدد وإن كان إطارا عاما ومرنا بحيث يكتسب كل يوم مدلولات جديدة، فالقاعدة الأساسية التي وضعتها اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة هي أن المرأة إنسان مساو للرجل بالحقوق والواجبات وبالتالي تعد كل صور التمييز وأشكاله انتهاكا لحقوق المرأة أو حقها في المساواة بمعنى أدق، وقد تعاملت المواثيق الحقوقية على أساس أن المرأة من الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا واحتياجا للحماية وترصد المنظمات المعنية بالمرأة على مستوى العالم ما تتعرض له المرأة من انتهاكات تصل لحد فقد الحق في الحياة.
ويختلف وضع المرأة من مجتمع لأخر باختلاف التطور الحضاري فوضع المرأة في البلاد الغربية يختلف بما لا يقاس عن وضع المرأة في بلاد أسيا وإفريقيا ومع ذلك ترصد منظمات المرأة حالات عنف متزايدة ضد المرأة في كل المجتمعات، فهناك بعض الدراسات تؤكد أن العنف ضد المرأة العربية تصل نسبته لأكثر من 90% من مجمل حالات العنف، كما اعترفت السلطات السويسرية بأن 25 سيدة قد فقدت حياتها نتيجة العنف خلال عام 2008 ، كما رصدت الحكومة الأمريكية أكثر من 5000 حالة قتل وأكثر من نصف مليون حالة اغتصاب، وصار العنف ضد المرأة الملف الأول أمام حركة المرأة بالعالم.
والأمر الخطير أن العنف ضد المرأة والذي صار طبقا لرأى بعض المسئولين الرسميين ظاهرة تستفحل كل يوم هو أن العنف يحدث في الغالب داخل الأسرة وعن طريق الزوج أو الأخ وأحيانا يحدث العنف من الابن، وقد سعت العديد من البلاد لفرض إجراءات للحد من العنف، فبعض البلاد لديها جهة رسمية مستقلة تتلقى حالات العنف ضد المرأة عن طريق أرقام هواتف خاصة ولديها السلطة للتدخل السريع لوقف العنف وتوفير الحماية للمرأة، كما تسعى العديد من البلاد العربية مثل المغرب والأردن على إصدار قانون خاص بمناهضة العنف الأسرى، وتؤكد تلك الإحصاءات والإجراءات الرسمية والأهلية لمواجهتها أن الحجة الدائمة للأصوات التي تدعو لحبس المرأة في البيت لحمايتها من أخطار الخارج باطلة تماما، فالظاهرة تكاد تتركز داخل الأسرة وبالتأكيد القسم الأكبر من حالات تعرض المرأة للعنف داخل الأسرة لم يتم التبليغ عنها وفضلت الكثير من النساء كتم الأمر إما حفاظا على الأسرة وإما خوفا من عنف أكبر.
والحقيقة أنى أتفق مع الكثير من طرح المنظمات النسائية حول هذه الظاهرة وضرورة التصدي لها بكل الوسائل المتاحة وأهمها كسب تأييد قطاعات أوسع من المجتمع لحقوق المرأة ورفض العنف ضدها، وإن كنت أختلف مع تحميل الرجل بشكل مجرد المسئولية الكاملة، وأنا هنا لا أخلى الرجل من المسئولية ولكني أحملها للرجل الذي يحمل ويجسد ثقافة مجتمع ويختزل تاريخا طويلا من الرؤية الفوقية التي تجسدها بعض البلاد العربية بشكل رسمي، وهذا الاختلاف الذي يبدو شكليا يؤدى إلى نتيجة هامة فحصر المشكلة في الرجل بالمعنى المجرد يؤدى إلى تصرفات خاطئة تصل في بعض الأحيان إلى ممارسة المرأة للعنف ضد الرجل إذا أتيحت لها الفرصة، ولنعترف أننا جميعا نقابل في واقعنا صورا تؤكد سيطرة المرأة على الرجل وقد شاهدت شخصيا خلال الأسبوع الماضي في أحد المطارات امرأة تسير ويتبعها زوجها وهو ينتظر في قلق واضح تنفيذ أوامرها وكان من الواضح للمتابعين أنها تحدد له كل حركة، أما لو رأينا المشكلة في الرجل الذي يختزل ثقافة فعلينا أن نعمل على تغيير نظرة المجتمع للمرأة بشكل عام في نفس الوقت الذي نعمل فيه على فرض إجراءات لحماية المرأة من العنف.
[email protected]