DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

نوال نمشان الدوسري

نوال نمشان الدوسري

نوال نمشان الدوسري
أخبار متعلقة
 
أحنى الشيخ رأسه فظنّ الصبية أنه يغالب النعاس، لكنه حين استقام فجأة جاء صوته قوياً، عميقاً .. وحزيناً ( فقدناها)! تقافز الصبية يتسابقون إلى الاستفسار ( فقدنا ماذا؟)، أجابهم دون تلكؤ( تلك الأرض)! كان على يمين الشيخ صبي نابه، بدا مغرقاً في انسجامه مع الأحداث حتى لتكاد تظن أنه أعلن انفصاله عن العالم لحين انتهاء الحكاية، قطع صمته واستغراقه ليسأل: ( كيف فقدناها ؟)، حوّل الشيخ بصره المفقود إلى السماء، وبدا أنه يحاول نفض عقله من شيء علق به بشكل مزعج، ثم مال قليلاً إلى الأمام وراح يحكي.. لم يعلم أحد ماذا جرى بالضبط، بين عشية وضحاها لم تعد الأرض ملكا لصاحبها ولا للقرية، كنت أسمع من مكاني هنا أصوات الدواب وهي تحمل خيراتها إلى خارج القرية كل يوم ، وتوشك أن تلفظ أنفاسها من ثقل الحمولة ومشقة التكرار، تغشّتنا موجة أسى عامة، وكان جاري يسمر معي في المساء وفي حديثه نبرة شجن وسؤال متردد، تجرأ ذات ليلة وسألني : ( هل أنت أكيد .. إنه هو؟)، لم أكن محتاجاً للاستفهام عمن يقصد، أقبلت عليه بكل جوارحي ورحت أؤكد، صمت قليلاً ثم تمتم على خجل: ( ليس بوسعك أن تكون أكيداً..يحتاج الأمر للبصر!)، صرخت فيه حانقاً (بل للبصيرة!!)، غمغم بما يشبه الاعتذار وسألني مجدداً (لم يعد بوسعنا أن نتدارك الأمر، خسرناها)، كنت أحدّث نفسي حين أجبت أكثر مما كان صوتي مسموعاً له ( بل بوسعنا أن نمنع خسارة أكثر!)، لكن جاري بدا منصتاً بشدة تلك الليلة بحيث رد على الفور( كيف؟)، قلت ببساطة: ( نقبض على اللص حين يحاول دخول القرية مجدداً)، شعرت بأنه ضرب شيئاً بقبضته وهو يحدثني: ( كيف نقبض على لصٍ لا نعرف شكله)، لم تستفزني ثورته وأجبته مصححاً: ( نعرفه،أو على الأقل .. «أعرفه»)! في أقصى الحلقة حول الشيخ كان يجلس صبي ملول، كثير الحركة والتلفت، كان يصغي تارة، ويدور حول نفسه تارة، حين بلغ الشيخ ذلك الجزء من الحكاية كان الصبي ينظر إلى نقطة لا تبعد كثيراً خلف النخلة، كان أحدهم يشير إليه أن ينهض ويأتي، كان جسيماً موغلاً في البهرجة، ويشدّ إلى جانبه دابة منتفخة الحمولة، لم يبد وجهه مألوفاً في القرية، لكز الصبي ابن عمه الجالس قربه وهمس بشيء في أذنه، تسلل الاثنان مبتعدين عن الحلقة، وسمعا الشيخ يقول شيئاً عن « الغريب والغرباء» و» رائحة اللصوص» و» الجهل والثقة», لكنهما لم يسمعا أكثر وهما يقتربان أكثر من التاجر ذي البضاعة اللامعة، رحّب التاجر الغريب بهما بابتسامة عريضة وسأل الصبي: (أنت ابن تاجر الذهب صاحب المحل هناك ؟) .. وأشار إلى بعيد حيث سوق القرية، أجاب (نعم) نفخ الصبي صدره باعتزاز ونظر بغرور إلى ابن عمه، فقد سرّه أن يعرف الغريب من يكون! أخرج التاجر حجراً مصقولاً من جيبه وعرضه على الصبي (انظر .. تستطيع أن ترى كل ألوان الطيف فيه)، حدق الصبي في فضول لكنه لم يتخلَّ عن غروره الطارئ، لوّح في تهوين، ونظر إلى ابن عمه بطرف عينه وهو يقول: ( لدى والدي في البيت أحجار أجمل منها!)، تشكلت ملامح الخيبة على التاجر وهو يسأله: ( حقا ؟ أجمل من بضاعتي؟) هز رأسه الصبي مؤكداً وهو يغالب لهفته على امتلاك الحجر، ثم أجاب في استعلاء: ( بإمكانك أن تتبعني حتى ترى بنفسك) ثم تابع في ارتباك طفولي: (لكنك ستبيعني هذه على سبيل التذكار)! بعد لحظات كان ركب الثلاثة يغذ السير نحو منزل الصبي، التفت ابن تاجر الذهب إلى ابن عمه ، وكاد يتعثر بحجر صغير ، وهو يسأله مقطّباً ... (هل قالت جدتنا أن الشيخ أصيب بالخرف.....مبكراً؟). [email protected]