أخبار متعلقة
تأثرت العلاقات الاجتماعية بإيقاع الحياة المتسارع وتراجع العادات والقيم الاجتماعية والجهل بالحقوق والواجبات، فاتخذت العلاقة بين الجيران شكلاً آخر وأصبح الجار آخر من نهتم لأمره بعد أن كان أول من نسأل عنه حين نكتري أو نشتري بيتا، ولم تعد مقولة <الجار قبل الدار> تطبق على أرض الواقع بسبب عدم اكتراث الناس بقيمة العلاقة التي تنشأ بين الجيران، فأصبح الجار يتحاشى الخروج من بيته حين يعلم أن جاره يهم بالمغادرة، وحين يلتقيان لا يتبادلان التحية عملا بالمثل الشعبي (صباح الخير يا جاري انت فحالك وأنا فحالي) .
تقدم
وتقول «أم فيصل» إن العلاقة المميزة التي كانت تربط بين الجيران في الماضي انهارت مثلما انهار واختفى كل شيء أصيل من حياتنا بفعل الحياة العصرية ومشاغلها ومشاكلها، فأصبح المرء لا يجد وقتا للتواصل وربط العلاقات وإحياء العادات والتقاليد الأصلية التي تفرض حسن معاملة الجيران وإكرامهم وزيارتهم.
صراعات
وتضيف «أم مشارى» ان العلاقة بين الجيران التي من المفترض أن تتسم بالمودة والإخوة وحسن الجوار، غلبت عليها الخناقات والصراعات على أتفه الأسباب، وفي أحسن الأحوال نجد الجيران لا يهتم بعضهم ببعض. بينما في الماضي كانت هذه العلاقة مميزة ومتينة تعوض المرء عن علاقاته العائلية، فكان تأديب الجار لابن جاره واجباً تفرضه العادات وأسلوب الحياة، كما كانت زيارة الساكن الجديد ومباركة سكنه ودعوته لتناول الطعام وتقاسم العيش ضرورة تفرضها التقاليد والموروث الشعبي.
اطار
وتشير «خلود السبيعى» إلى أن هذه المبادرات والتصرفات تنتظم في مجموعها لتشكل إطارا لعلاقة متميزة تجمع أشخاصا لا تربطهم علاقة قرابة، وتفتقد أمينة التي تسكن في شقة بعمارة تحتوي على ثلاثين شقة، لعلاقة طيبة تجمعها بجيرانها في العمارة الجديدة، لكنها تحتفظ بعلاقات مميزة مع جيرانها في الحارة القديمة حيث كانت تعيش منذ صباها.
تحجيم
وتعتبر «شيخة محمد» أن سبب القطيعة بين الجيران يعود الى رغبة الناس في تحجيم دائرة معارفهم وغلق باب المجاملات التي تحدث بين الجيران مثل الطلبات البسيطة للبيت والزيارات التي تتم بدون موعد بحكم تقارب السكن.
هروب
ويشير «أبو فهد» الى ان الناس عموما أصبحوا يرفضون اقامة علاقة مع الجار ويتهربون منه خوفا من المشاكل التي نسمع عنها بين جيران كانوا مثل السمن على العسل، وانتهت علاقتهم بالخناقات والمحاكم، ويضيف ان المصلحة الشخصية تسببت أيضا في تجميد علاقات الجيران فالبعض يستغني عن هذه العلاقة خوفا من ان يلجأ اليه جاره ويحرجه بطلب خدمة أو استدانة مال ، والبعض يرفض تدخل الجيران في حياته ، وآخر يتهرب من جاره حفاظا على مركزه الاجتماعي الذي لا يسمح له في اعتقاده بمخالطة الجميع.
ويؤكد أنه على الرغم من تدهور العلاقات بين الجيران بالمقارنة مع حالها في السابق، إلا أن هذا لا يمنع من وجود علاقات تكافل ومحبة بين الجيران تتجسد في تبادل الزيارات وتقديم يد العون والمعاملة الحسنة، نتجت عنها علاقات مصاهرة وصداقات تتحدى الزمن.
حدود
ويقول «فهد اليوسف» إن الناس لم يعودوا يسألون عن أخلاق الجيران كما كان عليه الأمر في السابق، حيث يشترط الزبون وجود جيران محترمين ويرفض العزاب وأصحاب المشاكل، ويفسر احجام الناس عن السؤال عن الجار باقتناعهم بأن العلاقة معه ستكون محدودة ولن تتعدى إلقاء التحية في أحسن الأحوال . ويعتبر «اليوسف» أن ايقاع الحياة المتسارع أنسى المرء أهله وجيرانه، إضافة الى أن عدم الشجاعة الاجتماعية في التعرف على الجيران وتباعد المساكن أضعف العلاقات بين الجيران ويضيف : أن هناك الكثير من القصص المفزعة عن مشاكل الجيران بسبب غياب التفاهم والتسامح وعدم الألفة والأخلاق السيئة لدى بعض السكان والذين تتوالى الشكاوى تباعاً مطالبة بترحيلهم من الحي. مبينا أن الجيران يتشاجرون بسبب الأطفال والنظافة والضوضاء والنميمة، وفيما تتحول بعض الخلافات البسيطة الى اعتداءات وجرائم فظيعة، تكون أخرى سببا في بداية تعارف الجارين وإقامة علاقة قوية.
فروق
ولا يستغرب الباحث الاجتماعي «محمد اليامى» الفرق الشاسع بين حال الجيران اليوم وحالهم في السابق، حيث حل الهجر والخصام محل التفاهم والتواصل، ويقول : إن تراجع العادات والقيم الاجتماعية وتردي الحالة الاقتصادية وتراكم الهموم والمشاكل الحياتية اليومية تسبب في تدهور العلاقات الاجتماعية، فتغير مفهوم الحارة القديمة وتأثرت العلاقة القوية التي تربط بين سكانها .
توسع
ويعتبر اليامى ان التوسع العمراني وتباعد المساكن أضعف العلاقات بين الجيران، ويضيف أن الهندسة المعمارية الحديثة للعمارات والأحياء السكنية أدت الى استغناء الناس عن جيرانهم لأن ما كان يربط المرء بجاره في الحارة القديمة ويجعله في حاجة دائمة اليه لأنهما يتقاسمان باب البيت الرئيسي وسطح المنزل ومسؤولية الأمن ونظافة المكان لم يعد كذلك في الأحياء الجديدة، وبالمقابل تسببت الهندسة الحديثة في احداث مشاكل بين الجيران لأن تقليص سمك الجدران انسجاما مع قوانين الهندسة القائمة على استغلال كل شبر في العمارات خصوصا، تسبب في نقل الضوضاء من بيت الى آخر.